الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ أَنْتُمْ هَـٰؤُلاۤءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنْكُمْ مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِٱلإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ ٱلْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ذٰلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ ٱلّعَذَابِ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }

القراءة: قرأ أهل الكوفة تظاهرون بتخفيف الظاء ها هنا وفي التحريم والباقون بالتشديد فيهما وقرأ أبو جعفر ونافع وعاصم والكسائي ويعقوب أسارى تفادوهم بالألف فيهما وقرأ حمزة وحده أسْرى تُفدوهم بغير ألف فيهما وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو أسارى بألفٍ تفدوهم بغير ألف وكان أبو عمرو وحمزة والكسائي يميلون الراء من أسارى ونافع يقرأ بين بين والباقون يفتحون. الحجة: من قرأ تظاهرون بالتخفيف فالأصل فيه تتظاهرون فحذف التاء الثانية لاجتماع التاءين ومن قرأ تظّاهرون بالتشديد فالأصل فيه أيضاً تتظاهرون فأدغم التاء في الظاء لقرب المخرجين وكل واحد من الفريقين كره اجتماع الأمثال ففريق خفف بالإدغام وفريق بالحذف فالتاء التي اعتلت بالإدغام هي التي اعتلت بالحذف ووجه قول من قرأ أسرى أنه جمع أسير فعيل بمعنى مفعول نحو قتيل بمعنى مقتول وقَتلى وجريح وجرحَى وهو أقيس من أسارى ووجه قول من قال أسارى أنه شَبّهه بكُسالى وذلك أن الأسير لما كان محبوساً عن كثير من تصرفه للأسر كما أن الكسلان محتبس عن ذلك لعادته السيئة شُبّه به فأجرى عليه هذا الجمع كما قيل مَرضى ومَوتى وهَلكى لما كانوا مبتلين بهذه الأشياء المصابين بها فأشبه في المعنى فعيلاً بمعنى مفعول فأجرى عليه في الجمع اللفظ الذي لفعيل بمعنى مفعول وكما شُبّه أسارى بكسالى شُبّه كَسلى بأسرى ومن قرأ تفادوهم فلأن لكل واحد من الفريقين فعلاً فمن الآسر دفع الأسير ومن المأسور منهم دفع دائه فوجه تفادوهم على هذا ظاهر ومن قرأ تفدوهم فالمعنى فيه مثل المعنى في تفادوهم وهذا الفعل يتعدى إلى مفعولين إلى الأول بنفسه وإلى الثاني بالجار كقولـه:وفديناه بذبح عظيم } [الصافات: 107] وقول الشاعر:
يَوَدُّونَ لَوْ يَفْدُونَنــي بِنُفُوسِهِم   وَمثْنى الأَوَاقِي وَالقَيانِ النَّواهِدِ
وقال الأعشى في فادى:
عِنْدَ ذي تَاجٍ إِذَا قِيلَ لــَــهُ   فـَـــادِ بِالمَـالِ تَرَاخَى وَمَرِحْ
المفعول الأول محذوف والتقدير فادِ الأسرى بالمال وفي الآية المفعول الثاني الذي يصل إليه الفعل بالحرف محذوف. اللغة: تظاهرون وتعاونون والظهير المعين وقولـه والملائكة بعد ذلك ظهير التقدير فيه الجمع واللفظ على الإفراد ومثله قول رؤبة:
دعها فما النحويّ من صديقها   
أي من أصدقائها وظاهَرَ بين درعين لبس إحداهما فوق الأخرى والإثم الفعل القبيح الذي يستحق به اللوم ونظيره الوزر. وقال قوم معنى الإثم هو ما تنفر منه النفس ولم يطمئن إليه القلب ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم لنواس بن سمعان حين سأله عن البرّ والإثم فقال: " البر ما اطمأنّت إليه نفسك والإثم ما حكّ في صدرك " والعدوان الإفراط في الظلم يقال عدا فلان في ظلمه عدْواً وعُدُوّاً وعِدوانا وعَداء وقيل العدوان مجاوزة الحد والأسر الأخذ بالقهر وأصله الشد والحبس وأسره إذا شده وقال أبو عمرو بن العلاء الأسارى الذين هم في الوثاق والأسرى الذين هم في اليد وإن لم يكونوا في الوثاق والخزي السوء والذل يقال خَزِي الرجلُ خزياً ويقال في الحياة خَزِي خزاية.

السابقالتالي
2 3