الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـٰذَا مِنْ عِنْدِ ٱللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ }

اللغة: الويل في اللغة كلمة يستعملها كل واقع في هلكة وأصله العذاب والهلاك ومثله الويح والويس وقال الأصمعي هو التقبيح ومنهولكم الويل مما تصفون } [الأنبياء: 18] وقال المفضل معناه الحزن وقال قوم هو الهوان والخزي ومنه قول الشاعر:
يَا زِبْرِقَانُ أَخا بَنِي خَلَفٍ   مَا أَنْتَ وَيْلَ أَبِيْكَ وَالفَخْرُ
وأصل الكسب العمل الذي يجلب به نفع أو يدفع به ضرر وكل عامل عملا بمباشرة منه لو ومعاناة فهو كاسب له قال لبيد:
لِمُعَفَّرٍ قَهْدٍ تَنَازَعَ شِلْــــوَهُ   غُبْسٌ كَواسِبُ مَا يُمَنُّ طَعَامُهَا
وقيل الكسب عبارة عن كل عمل بجارحة يجتلب به نفع أو يدفع به مضرة ومنه يقال للجوارح من الطير كواسب. الإعراب: ويل رفع بالابتداء وخبره للذين قال الزجاج ولو كان في غير القرآن لجاز فويلاً للذين على معنى جعل الله ويلاً للذين والرفع على معنى ثبوت الويل للذين. وقال غيره إذا أضفت ويل وويح وويس نصبت من غير تنوين فقلت ويح زيد وويل زيد وأما التعس والبعد وما أشبههما فلا يحسن فيها الإضافة بغير لام فلذلك لم ترفع وإنما يقال في نحوها تعساً له وبعداً له وَتَّباً له وقد نصب أيضاً ويل وويح مع اللام فقالوا ويلاً لزيد وويحاً له قال الشاعر:
كَسَا اللُّؤْمُ تَيْماً خُضْرَةً في جُلُوْدِها   فَوَيْلاً لِتَيْمٍ مِنْ سَرَابِيْلِهَا الخُضْرِ
المعنى: ثم عاد سبحانه إلى ذكر علماء اليهود فقال { فويل للذين يكتبون الكتاب } قال ابن عباس الويل في الآية العذاب وقيل جبل في النار وروى الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إنه واد في جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفاً قبل أن يبلغ قعره " والأصل فيه ما ذكرناه من أنه كلمة التحسر والتفجع والتلهف والتوجع يقولـها كل مكروب هالك وفي التنزيل:يا ويلتنا ما لهذا الكتاب } [الكهف: 49] وقولـه { للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله } معناه يتولون كتابته ثم يضيفونه إلى الله سبحانه كقولـه:سبحانه مما عملت أيدينا } [يس: 71] أي نحن تولينا ذلك لم نكله إلى أحد من عبادنا ومثله خلقت بيدي ويقال رأيته بعيني وسمعته بأذني ولقيته بنفسي والمعنى في جميع ذلك التأكيد وأيضاً فقد يضيق الإنسان الكتاب إلى نفسه وقد أمر غيره بالكتابة عنه فيقول أنا كتبت إلى فلان وهذا كتابي إلى فلان وكقولـه سبحانه:يُذّبح أبناءهم } [القصص: 4] وإنما أمر به فأعلمنا الله سبحانه أنهم يكتبونه بأيديهم ويقولون هو من عند الله وقد علموا يقيناً أنه ليس من عنده وقيل معناه إنهم فعلوا ذلك من تلقاء أنفسهم كالرجل إذا اخترع مذهباً أو قولاً لم يسبق إليه يقال له هذا مذهبك وهذا قولك وإن كان جميع ما يؤخذ عنه من الأقوال قولـه والمراد أن هذا من تلقاء نفسك وأنك لم تسبق إليه وقيل كتابتهم بأيديهم أنهم عمدوا إلى التوراة وحَرفوا صفة النبي صلى الله عليه وسلم ليوقعوا الشك بذلك للمستضعفين من اليهود وهو المروي عن أبي جعفر الباقر عليه السلام وعن جماعة من أهل التفسير.

السابقالتالي
2