الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ فَهِيَ كَٱلْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ ٱلْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ ٱلأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ ٱلْمَآءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }

القراءة: قرأ ابن كثير وحده ها هنا عما يعملون بالياء والباقون بالتاء واختلفوا في قولـه تعالى: { وما الله بغافل عما تعملون }وما ربك بغافل عما تعملون } [هود: 123] قرأهما أبو جعفر وحده بالتاء في كل القرآن إلا في الأنعام وقرأ ابن عامر بالياء في كل القرآن وقرأ حمزة والكسائي الأول بالتاء والثاني بالياء في كل القرآن واختلف عن ابن كثير ونافع وعاصم وأبي عمرو. الحجة: قال أبو علي القول في ذلك أنّ ما كان قبله خطاب جعل بالتاء ليكون الخطاب معطوفاً على خطاب كقولـه: { ثم قست قلوبكم } ثم قال: { عما تعملون } بالتاء ولو كان بالياء على لفظ الغيبة أي وما الله بغافل عما يعمل هؤلاء أيها المسلمون لكان حسناً وإن كان الذى قبله غيبة حسُن أن يجعل على لفظ الغيبة ويجوز فيه الخطاب أيضاً ووجه ذلك أن يجمع بين الغيبة والخطاب فيغلّب الخطاب على الغيبة كتغليب المذكر على المؤنث ألا ترى أنهم قدموا الخطاب على الغيبة في باب الضمير وهو موضع تردّ فيه الأشياء إلى أصولها نحو تك في نحو قولـه:
فلا تك ما أسال ولا أغاما   
فلما قدّموا المخاطب على الغائب فقالوا أعطاكه ولم يقولوا أعطاهوك علم أنه أقدم في الرتبة فإذا كان الأمر على هذا فالخطاب في هذا النحو يعني به الغُيِّب والمخاطبون فيغلّب الخطاب على الغيبة ويجوز فيه وجه آخر وهو أن يراد به وقل لهم أيها النبي ما الله بغافل عما تعملون والله أعلم. اللغة: القسوة ذهاب اللين والرحمة من القلب يقال قسا قلبه يقسو قسواً وقسوة وقساوة والقسوة الصلابة في كل شيء ونقيضه الرقة والشدة والقوة في الجسم والشدة صعوبة الأمر والشد العقد والنهر المجرى الواسع من مجاري الماء والجدول والسري دون ذلك يقال نَهْرٌ ونَهَرٌ والفتح أفصح قال سبحانه:في جنات ونَهَر } [القمر: 54] وجمعه نُهُرٌ وأنهار والتفجر المتفعل من فجر الماء وذلك إذا أنزل خارجاً من منبعه وكل سائل شخص خارجاً من موضعه ومكانه فقد انفجر ماء كان أو دماً أو غير ذلك قال عمر بن لجَأ:
وَلَمَّا أنْ قُرِنْتَ إلَى جَرِيْرٍ   أبى ذُوْ بَطْنِهِ إلاَّ انفِجارَا
أي: خروجاً وسيلاناً وأصل يشقق يتشقق ادغمت التاء في الشين وهو أن ينقطع من غير أن يَبين والغفلة السهو عن الشيء وهو ذهاب المعنى عن النفس بعد حضوره ويقال تغافلتُ على عمدٍ أي عملت عمل الساهي. المعنى والإعراب: لما قدم سبحانه ذكر المعجزات القاهرة والأعلام الظاهرة بيَّن ما فعلوا بعدها من العصيان والطغيان فقال عزَّ اسمه { ثم قست قلوبكم } أي غلظت ويبست وعتت وقًست { من بعد ذلك } أي من بعد آيات الله كلها التي أظهرها على يد موسى عليه السلام وقيل إنه أراد بني أخي المقتول حين أنكروا قتله بعد أن سمعوه منه عند إحياء الله تعالى إياه أنه قتله فلان عن ابن عباس فيكون ذلك إشارة إلى الإحياء أي من بعد إحياء الميت لكم ببعض من أعضاء البقرة بعد أن تدارأتم فيه فأخبركم بقاتله والسبب الذي من أجله قتله.

السابقالتالي
2 3 4 5