الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذِ ٱسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ فَٱنفَجَرَتْ مِنْهُ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ ٱللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ }

اللغة: الاستسقاءُ طلب السُقيا ويقال سقيته وأسقيته بمعنى وقيل سقيته من سقي الشفة وأسقيته دللته على الماء ويقال عصا وعصوان وثلاث أعص وجمعه عصي والانفجار الانشقاق والانبجاس أضيق منه فيكون أولاً أنبجاساً ثم يصير انفجاراً والعين من الأسماء المشتركة فالعين من الماء مشبهة بالعين من الحيوان لخروج الماء منها كخروج الدمع من تيك وبلد قليل العين أي قليل الناس وما بالدار عَيَنٌ متحركة الياء والعين مطر أيام لا يُقْلِع والعين الذهب والعين الميزان والعين الشمس والعين المتجسس للأخبار وقد تقدم ذكر أناس وأنه لا واحد له من لفظه ولا تعثوا أي ولا تفسدوا ولا تطغوا والعُثيّ شدة الفساد يقال عثا يعثو عُثوَّا وعثى ويعثي عثى وعاث يعيث عيثاً وعيوثاً وعيثاناً قال رؤبة:
وَعَاثَ فينا مُسْتَحِلٌ عَايِثُ   
الإعراب: إذ متعلق بكلام محذوف فكأنه قال واذكروا إذا استسقى ويجوز أن يكون معطوفاً على ما تقدم ذكره في الآيات المتقدمة وقولـه اثنتا عشرة عيناً الشين ساكنة عند جميع القراء وكان يجوز كسرها في اللغة والكسر لغة ربيعة وتميم والإسكان لغة أهل الحجاز قال ابن جني: إن ألفاظ العدد قد كثر فيها الانحرافات وذلك أن لغة أهل الحجاز في غير العدد في نظير عَشْرة عَشِرَة فيقولون نَبِقة وفَخِذ يكسرون الثاني وبنو تميم يسكنون فيقولون نَبْقة وفخْذ فلما ركب الاسمان استحال الوزن فقال بنو تميم إحدى عشِرة واثنتا عشِرة بكسر الشين وقال أهل الحجاز عشْرة بسكونها وعينا منصوب على التمييز والاسم الثاني من اثنتا عشرة قام مقام النون في عشرون بدلالة سقوط النون من اثنتان وأن عشرة تعاقبها وكذلك التقدير في جميع ذلك وهو الثلاثة والثلاثة من ثلاثة عشر وثلاث عشرة إلى تسعة عشر وتسع عشرة أن يكون فيها نون فقام عشرة مقامها فلذلك لم يدخلها التنوين وإذا لم يدخلها تنوين لم تبن ومفسدين منصوب على الحال. المعنى: ثم عدّ سبحانه وتعالى على بني إسرائيل نعمة أخرى إضافة إلى نعمه العلى الأولى فقال { وإذ استسقى موسى } أي سأل موسى قومه ماءً والسين سين الطلب وترك ذكر المسؤول ذلك إذ كان فيما ذكر من الكلام دلالة على معنى ما ترك وكذلك قولـه { فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت } لأن معناه فضربه فانفجرت فترك ذكر الخبر عن ضرب موسى الحجر لأن فيما أبقاه من الكلام دلالة على ما ألقاه وهذا كما يقال أمرت فلاناً بالتجارة فاكتسب مالاً أي فأتجر واكتسب مالاً قوم موسى هم بنو إسرائيل وإنما استسقى لهم ربه الماء في الحال التي تاهوا فيها في التيه فشكوا إليه الظمأ فأوحى الله تعالى إليه أن اضرب بعصاك وهي عصاه المعروفة وكان من آس الجنة دفعها إليه شعيب وكان آدم حمله من الجنة معه إلى الأرض وكان طوله عشرة أذرع على طول موسى وله شعبتان تتقدان في الظلمة نوراً وبها ضرب البحر فانفلق وهي الذي صار ثعباناً وأما الحجر فاختلف فيه فقيل كان يقرع لهم حجراً من عرض الحجارة فينفجر عيوناً لكل سبط عيناً وكانوا اثني عشر سبطاً ثم يسير كل عين في جدول إلى السبط الذي أمر بسقيهم عن وهب بن منبه وقيل كان حجراً بعينه خفيفاً إذا رحلوا حمل في مخلاة فإذا نزلوا ضربه موسى بعصاه فانفجر منه الماء عن ابن عباس وهذا أولى لدلالة الألف واللام للعهد عليه وقيل كانت حجرة فيها اثنتا عشرة حفرة وكان الحجر من الكذّان وكان يخرج من كل حفرة عين ماء عذب فرات فيأخذونه فإذا فرغوا أراد موسى حمله ضربه بعصاه فيذهب الماء وكان يسقي كل يوم ستمائة ألف عن أبي مسروق.

السابقالتالي
2