الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قُلْنَا ٱدْخُلُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَٰيَٰكُمْ وَسَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ }

القراءة: قرأ أبو جعفر ونافع يغفر بالياء مضمومة والباقون نغفر لكم بالنون وهو الاختيار لأنه أشبه بما تقدم من قولـه وظللنا وأنزلنا ولأن أكثر القراء عليه وأجمع القراء على إظهار الراء عند اللام إلا ما روي عن أبي عمرو وفي رواية اليزيدي الاستجادة من إدغام الراء في اللام واتفق القراء على خطاياكم هنا وإن اختلفوا في الأعراف ونوح فقرأ بعضهم هناك خطيئاتهم وذلك لأن اللتين في الأَعراف ونوح كتبتا في المصحف بغير الف وها هنا كتبت بالأَلف. اللغة: الدخول والولوج والاقتِحام نظائر والفرق بين الدخول والاقتحام أن الاقتحام دخول على صعوبة وفي الأمر دخل أي فساد ودخِل أمره إذا فسد وفلان دخيل في بني فلان إذا كان من غيرهم وأطلعته على دِخلة أمري إذا بثثته مكتومك وفلان مدخول إذا كان في عقله أو في حسبه دخل والقرية والبلدة والمدينة نظائر قال أبو العباس وأصله الجمع وقريت الماء في الحوض أقريه قَرْياً وقرتُ الضيفَ أقريه قِرًى والمِقراةُ الجفنة التي يعدّ فيها الطعام للأَضياف قال:
عظامُ المَقاري جارُهم لا يُفَزّع   
وقال الخليل القَرية والقِرية لغتان والكسر لغة يمانية والقرى الظهر من كل شيء وجمعه الأَقراء والسجود شدة الانحناء ومنه السُجَّد من النساء وهن الفاترات الأَعين قال الشاعر:
ولهوي إلى حُور المَدامِع سُجَّد   
وقال الآخر:
ترى الأُكْم فيها سُجّداً للحوافر   
وحطة مصدر مثل ردة وجدة من رددت وجددت قال الخليل الحط وضع الأَحمال عن الدواب والحط والوضع والخفض نظائر والحط الحدر من العلو قال امرؤ القيس:
كَجُلْمُودِ صَخْرِ حَطّه السَّيْلُ مِنْ عَلِ   
وجارية محطوطة المتنين ممدودة حسنة والغفران والعفو والصفح نظائر يقال غفر الله له غفراناً أي ستر الله على ذنوبه والغفر التغطية وثوبٌ ذو غفر إِذا كان له ستر يستر نسجه ويقال المغفر لتغطية العنق والغفرة بمعنى والغفارة خرقة تلف على سِية القوس والمغفور والمغفار صمغ العرقط واغفر الشجر إِذا ظهر ذلك فيه ومنه الحديث أنه صلى الله عليه وسلم دخل على عائشة فقالت: يا رسول الله أكلت مغافير يعني هذا الصمغ ومنهم من يقول مغاثير كما قيل جدت وجدت ويقال جاؤوا والجماء الغفير وجاءوا جمعاً الغفير أي مجتمعين جمعاً يغطي الأرض والغفر ولد الأَروِيّة لأنه يأوي الجبال ويتستر عن الناس ويقال أصبغ ثوبك فإِنه أغفر للوسخ أي أستر له وأصل الباب الستر وحد المغفرة ستر الخطيئة برفع العقوبة. والخطيئة والزلة والمعصية نظائر يقال خطا الشيء خطا إِذا لم يرده وأصابه وأخطأه أخطاء إِذا فلم يصبه والأول خاطىء والثاني مخطىء والخطيئات جمع خطيئة مثل صحيفات جمع صحيفة وسفينات جمع سفينة والخطايا أيضاً جمع خطيئة. والمحسن الفاعل للإِحسان أو الفاعل للحسن يقال أحسن إلى غيره وأحسن في فعله والفرق بينهما أن أحسن إليه لا يقال إلا في النفع فلا يقال أحسن الله إلى أهل النار بتعذيبهم ويقال أحسن في تعذيبهم بالنار بمعنى أحسن في فعله وتدبيره ويقال امرأة حسناء ولا يقال رجل أحسن وحد الحسن ومن طريق الحكمة هو الفعل الذي يدعو إليه العقل وضده القبيح وهو الفعل الذي يزجر عنه العقل وحد الإِحسان هو النفع الحسن وحدّ الإِساءة هو الضرر القبيح وهذا إنما يصح على مذهب من يقول إنَّ الإِنسان يكون محسناً إلى نفسه ومسيئاً إليها ومن لم يذهب إليه يزيد فيه الواصل إلى الغير مع قصده إلى ذلك والأولى في حد الحسن أن يقال هو الفعل الذي إذا فعله العالم به على وجه لم يستحق الذم.

السابقالتالي
2 3