الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقْنَٱكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }

اللغة: الظلة الغمامة والسترة نظائر يقال ظللت تظليلاً والظل ضد الضحّ ونقيضه وظل الشجرة سترها ولا أزال الله عنا ظل فلان أي ستره ويقال لسواد الليل ظل لأنه يستر الأشياء قال الله تعالى:ألم تر إلى ربك كيف مَدّ الظل } [الفرقان: 45] والغمام السحاب والقطعة منها غمامة وإنما سمي غماماً لأنه يغمّ السماء أي يسترها وكل ما يستر شيئاً فقد غمّه وقيل هو ما ابيضَّ من السحاب والغُمّة الغطاء على القلب من الغمّ وفلان في غمة من أمره إِذا لم يهتد له والمنّ الإِحسان إلى من لا يستثيبه والاسم المنة والله تعالى هو المنان علينا والرحيم بنا والمن قطع الخير ومنه قولـهأجر غير ممنون } [فصلت: 8] أي غير مقطوع والمُنّة قوة القلب وفلان ضعيف المنة وأصل الباب الإِحسان فالمن الذي كان يسقط على بني إسرائيل هو مما منَّ الله به عليهم أي أحسن به إليهم والسلوى طائر كالسُمانَى قال الأخفش هو للواحد والجمع كقولـهم ذُفْلى وقال الخليل واحده سلواة قال:
كما انتفضَ السَلواة مَن بَلَلِ القَطْر   
قال الزجاج غلط خالد بن زهير في قولـه:
وَقَاسَمَهَا بَاللهِ جَهْداً لأنتُمُ   أَلَذُّ مَن السَّلْوى إِذَا مَا نَشُورُهَا
فظن أن السلوى العسل وإنما هو طائر قال أبو علي الفارسي وقِرىءّ على الزجاج في مصنف أبي عبيد أنه العسل قال والذي عندي فيه أَنَّ السلوى كأنه ما يسلي عن غيره للفضيلة فيه من فرط طيبه أو قلة معاناة وعلاج في اقتنائه فالعسل لا يمتنع أن يسمى سلوى لجمعه الأمرين كما سمي الطائر الذي كان يسقط مع المن به ويقال سلا فلان عن فلان يَسْلو سَلْواً إِذا تَسَلّى عنه وفلان في سُّلْوة من العيش إِذا كان في رَغَد يُسليه الهم والسُلْوان ماء مَن شربه ذهب همّه فيما زعموا قال:
لو أشرب السُلوان ما سَلَيتُ   
الإعراب: موضع كلوا نصب بمحذوف كأنه قال وقلنا لهم كلوا وموضع نصب لأنه معطوف على المن وقولـه { وما ظلمونا } إنما يتصل بما قبله أيضاً بتقدير محذوف كأنه قال فخالفوا ما أمروا به وكفروا هذه النعمة وما ظلمونا. المعنى: { وظللنا عليكم الغمام } أي جعلنا لكم الغمام ظلة وسترة تقيكم حر الشمس في التيه عن جماعة المفسرين { وأنزلنا عليكم المن } فيه وجوه أحدها: أنه المن الذي يعرفه الناس يسقط على الشجر عن ابن عباس وثانيها: أنه شيء كالصمغ كان يقع على الأشجار وطعمه كالشهد والعسل عن مجاهد وثالثها: أنه الخبز المرقق عن وهب ورابعها: أنه جميع النعم التي أتتهم مما منّ الله به عليهم مما لا تعب فيه ولا نصب وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الكَمْأة من المن وماؤها شفاء للعين "

السابقالتالي
2