الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَٰقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِٱتِّخَاذِكُمُ ٱلْعِجْلَ فَتُوبُوۤاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَٱقْتُلُوۤاْ أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ }

القراءة: قرأ أبو عمرو بارئكم ويأمركم وينصركم باختلاس الحركة وروي عنه السكون أيضاً والباقون بغير اختلاف ولا حقيقة. الحجة: قال أبو علي حروف المعجم على ضربين ساكن ومتحرك والساكن علي ضربين أحدهما: ما أصله السكون في الاستعمال والآخر ما أصله الحركة فما أصله الحركة يسكن على ضربين أحدهما: تكون حركة بتاء والآخرين أن تكون حركة إعراب وحركة البناء تسكن على ضربين أحدهما: أن يكون الحرف المسكن من كلمة مفردة نحو فخذ وسَبُعْ وإبل وضُرِب وعُلِمْ فمن خفف قال فَخُذ وسبَع وإِبِل وضُرْب وعلم والآخر أن يكون من كلمتين فيُسكن على تشبيه المنفصل بالمتصل نحو قراءة من قرأ ويخشَ الله ويتّقه ومنه قول العجاج:
فبَاتَ مُنْتصباً وما تكرْدَسا   
ألا ترى أن تَقِه من يَتّقه مثل كتف ومنه قول الشاعر:
قالت سُلَيمى اشتر لنا سُويقا   
ولا خلاف في تجويز إسكان حركة البناء في نحو ما ذكرناه من قول العرب والنحويين وأما حركة الإعراب فمختلف في تجويز إسكانها فمِن ثمَّ ادغم نحو رُدّ وفِرّ وعضّ كما أدغموا نحو يردّ ويفرّ ويعضّ واعلم أن الحركات التي يفصل بين القبيلتين وروى قول امرىء القيس:
فَالْيَوْمَ أَشْرَبْ غَيْرَ مُسْتَحْقِبٍ   إثْمـاً مِنَ اللهِ وَلاَ وَاغِلِ
وقول الآخر:
وقد بدا هنكِ من الميزرِ   
ومن هذا النحو قول جرير:
سِيرُوا بني العَمِّ فالأهْوازُ منزِلُكُمُ   ونَهْرُ تِيرى ولا تَعْرِفُكُم العرَبُ
فشبه ما يدخل على المعربِ بما يدخل على المبني كما شبّهوا حركات البناء بحركات الإعراب فمِن ثمَّ أدغم رُدّ وفِرّ وعضّ كما أدغموا نحو يردّ ويفرّ ويعضّ واعلم أن الحركات التي تكون للبناء والإعراب قد يستعملون في الضمة والكسرة منها الاختلاس والتخفيف كما يستعملون الإشباع والتمطيط فأما الفتحة فليس فيها الإِشباع فقط ولم يخفف نحو جَبَل كما خفّف مثل سَبُع وكتِف وعلى هذا المذهب حمل سيبويه قول أبي عمرو إلى بارئكم فذهب إلى أنه اختلس الحركة ولم يشبعها فهو بزنة حرف متحرك فمن روى عن أبي عمرو الإِسكان في هذا النحو فلعله سمعه يختلس فحسبها إسكاناً لضعف الصوت به والخفاء وعلى هذا قولـه ولا يأمركم وغيره. اللغة: البارىء هو الخالق الصانع وبرأ الله الخلق يبرؤهم براً أي خلقهم قال أمية بن أبي الصلت:
الخَالِقُ البَارِىءُ المُصَوّرُ في الـ   ـأرحَامِ ماءً حتَّى يَصير دَما
والفرق بين البارِىء والخالق أن البارىء هو المبدىء المحدث والخالق هو المقدر الناقل من حال إلى حال وبرىء من المرض يبر برأ فهو بارىء والبراءة من العيب والمكروه لا يقال منه الا بريء بالكسر وفاعله برىء ورجل براء بمعناه وامرأة براء ونسوة براء وأما قولـه أنا براء فهو جمع بريء وأصل الباب انفصال الشيء من الشيء ومنه برأ الله الخلق أي فطرهم كأنهم انفصلوا من العدم إلى الوجود والبريّة فعلية بمعنى مفعول ولا تهمز كما لا يهمز ملك وإن كان أصله الهمزة وقيل البرية مشتقة من البَري وهو التراب فلذلك لم يهمز وقيل مأخوذ من بريت العود فلذلك لم يهمز والقتل والذبح والموت نظائر والفرق بينهما أن القتل نقض بنية الحياة والذبح فري الأوداج والموت عند من أثبته عرض يضاد الحياة والقتل العدو وجمعه أقتال والقتال النفس وناقة ذات قتال إذا كانت وثيقة وقتلت الشيء علماً إذا أيقنته وتحققته وفي المثل: قتلت أرضٌ جاهِلَها وقتل أرضاً عالمها وتقتلت الجارية للفتى حتى عشقها كأنها خضعت له.

السابقالتالي
2 3 4