الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ وَٱلْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }

اللغة: الفرقان مصدر فرقت بين الشيئين أفرق فرقاً وفرقاناً ويسمى كل فارق فرقاناً كما سمّي كتاب الله فرقاناً لفصله بين الحق والباطل وسمى الله تعالى يوم بدر الفرقان لأنه فرق في ذلك اليوم بين الحق والباطل وقالإن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً } [الأنفال: 29] أي يفرق بينكم وبين ذنوبكم. المعنى: { و } اذكروا { إذ آتينا } أي أعطينا { موسى الكتاب } وهو التوراة { والفرقان } اختلفوا فيه على وجوه أحدها: وهو قول ابن عباس إن المراد به التوراة أيضاً وإنما عطفه عليه لاختلاف اللفظين كقول عنترة:
أقْوَى وَأقْفَرَ بَعْدَ أُمّ الْهَيْثَمِ   
وقال عدي بن زيد:
وَقَدَّدَتِ الأَدِيْمَ لِراهِشَيْــــهِ   وَأَلْفَى قَوْلـَها كَذِباً وَميْنَا
والميْن الكذب وثانيها: أن الكتاب عبارة عن التوراة والفرقان انفراق البحر الذي أتاه موسى ع وثالثها: أن المراد بالفرقان بين الحلال والفرق بين موسى وأصحابه المؤمنين وبين فرعون وأصحابه الكافرين بأشياء كثيرة منها أنه نجا هولاء وأغرق هؤلاء ورابعها: أن المراد بالفرقان القرآن ويكون تقديره وآتينا موسى التوراة وآتينا محمداً الفرقان فحذف ما حذف لدلالة ما أبقاه عليه كما حذف الشاعر في قولـه:
تَرَاهُ كَأَنَّ اللهَ يَجْدَعُ أنْفَهُ   وعَيْنَيْهِ إنَّ مَوْلاهُ كانَ لَهُ وَفْرُ
يريد ويفقأ عينيه لأن الجدع لا يكون للعينين واكتفى بيجدع عن يفقأ وقال آخر:
يَا لَيْتَ بَعْلِكَ قَدْ غَدَا   مُتَقَلِّداً سيْفاً ورُمحا
أراد وحاملاً رمحاً وهو قول الفراء وقطرب وثعلب وضعِّف هذا الوجه لأن حمل القرآن على المجاز من غير ضرورة مع أنه تعالى أخبر أنه أتى موسى الفرقان في قولـه:ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان } [الأنبياء: 48] وقولـه { لعلكم تهتدون } أي لكي تهتدوا بما في التوراة من البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم وبيان صفته.