الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ وَٱرْكَعُواْ مَعَ ٱلرَّٰكِعِينَ }

اللغة: أصل الصلاة عند أكثر أهل اللغة الدعاء على ما ذكرناه قبل ومنه قول الأعشى:
تقُولُ بنتي وَقَدْ قَرَّبْتُ مُرتْحِــــــلاً   يَا رَبَّ جَنِّبْ أبي الأوْصابَ والوجَعَا
عَلَيْكِ مِثْلُ الذِي صَلِّيتِ فاغْتَمِضي   نَومـــاً فإنَّ لِجَنْــــبِ المرْءِ مُضْطَجَعا
أي دعوت وقيل أصلها اللزوم من قول الشاعر:
لَمْ أكُنْ مِنْ جُنَاتِها عَلِمَ الله   وَإنّي لِحَرّها اليَوْمَ صَالِ
أي ملازم لحرها فكأن معنى الصلاة ملازمة العبادة على الحد الذي أمر الله تعالى به وقيل أصلها من الصلا وهو عظم العجز لرفعه في الركوع والسجود ومنه قول النابغة:
فَآبَ مُصَلُّوهُ بِعَيْنٍ جَلِيَّةٍ   وَغُودِرَ بِالجَوْلانِ حَزْمٌ ونَائِلُ
أي الذين جاءوا في صلا السابق وعلى القول الأول أكثر العلماء وقد بينا معنى إقامة الصلاة فيما مضى. والزكاة والنماء والزيادة نظائر في اللغة وقال صاحب العين: الزكاة زكاة المال وهو تطهيره وزكا الزرع يزكو زكاء ممدوداً أي نما وازداد وهذا لا يزكو بفلان أي لا يليق به والزكا الشفع والخسا الوتر وأصله تثمير المال بالبركة التي يجعلها الله فيه والركوع والانحناء والانخفاض نظائر في اللغة قال ابن دريد: الراكع الذي يكبو على وجهه ومنه الركوع في الصلاة قال الشاعر:
وَأُفلِتَ حَاجِبٌ فَوْقَ العَوَالي   عَلى شَقَّاءَ تَركَعُ في الظِّرَابِ
وقال صاحب العين كل شيء ينكب لوجهه فتمس ركبته الأرض أو لا مس بعد أن يطأطىء رأسه فهو راكع قال الشاعر:
وَلكِنِّي أَنُصُّ العِيْسَ تَدْمَى   أيَا طِلُهَا وَتَركَعُ بِالْحُزُونِ
وقال لبيد:
أُخَبِّرُ أخْبارَ القُرُونِ التَّي مَضَتْ   أدِبُّ كأنّي كُلَّما قُمْـتُ رَاكِعُ
وقيل إنه مأخوذ من الخضوع قال الشاعر:
ولا تُهِينُ الفَقِــــيرَ عَلَّكَ أَنْ   تَرْكَعَ يَوْماً والدَّهرُ قَدْ رَفَعه
والأول أقوى وإنما يستعمل في الخضوع مجازاً وتوسعاً. المعنى: { وأقيموا الصلاة } أي أدوها بأركانها وحدودها وشرائطها كما بينها النبي صلى الله عليه وسلم { وآتوا الزكاة } أي أعطوا ما فرض الله عليكم في أموالكم على ما بينه الرسول لكم وهذا حكم جميع ما ورد في القرآن مجملاً فإن بيانه يكون موكولاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما قال سبحانه وتعالى:وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } [البقرة: 43] فلذلك أمرهم بالصلاة والزكاة على طريق الإجمال وأَحال في التفصيل على بيانه وقولـه: { واركعوا مع الراكعين } إنما خص الركوع بالذكر وهو من أفعال الصلاة بعد قولـه وأقيموا الصلاة لأحد وجوه: أحدها: أن الخطاب لليهود ولم يكن في صلاتهم ركوع وكان الأحسن ذكر المختص دون المشترك لأنه أبعد من اللبس وثانيها: أنه عبر بالركوع عن الصلاة يقول القائل فرغت من ركوعي أي صلاتي وإنما قيل ذلك لأن الركوع أول ما يشاهد من الأفعال التي يستدل بها على أن الإنسان يصلي فكأنه كرر ذكر الصلاة تأكيداً عن أبي مسلم. ويمكن أن يكون فيه فائدة تزيد على التأكيد وهو أن قولـه أقيموا الصلاة إنما يفيد وجوب إقامتها ويحتمل أن يكون إشارة إلى صلاتهم التي يعرفونها وأن يكون الصلاة إشارة إلى الصلاة الشرعية وقولـه: { واركعوا مع الراكعين } يكون معناه صلوا مع هؤلاء المسلمين الراكعين فيكون متخصصاً بالصلاة المتقررة في الشرع فلا يكون تكراراً بل يكون بياناً وثالثها: أنه حث على صلاة الجماعة لتقدم ذكر الصلاة في أول الآية.