الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيْطَٰنُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا ٱهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِينٍ }

القراءة: قرأ حمزة فأزالهما بالألف والباقون فأزلَّهما. الحجة: من قرأ أزالهما قال إن قولـه { اسكن أنت وزوجك } معناه اثبتا فثبتا فأزالهما الشيطان فقابل الثبات بالزوال الذي هو خلافه وحجة من قرأ فأزلهما أنه يحتمل تأويلين: أحدهما: كسبهما الزلّة. والآخر: أزلّ من زلّ أي عثر ويدل على الوجه الأول ما جاء في التنزيل من قولـه:مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَالِدِينَ وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّاصِحِينَ } [الأعراف: 20 - 21] وقولـهفَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَانُ } [الأعراف: 22] وقد نسب كسب الشيطان الزلة إلى الشيطان في قولـه:إِنَّمَا ٱسْتَزَلَّهُمُ ٱلشَّيْطَانُ } [آل عمران: 155] واستزلّ وأزلّ بمعنى واحد ويدل على الوجه الثاني قولـه فأخرجهما مما كانا فيه فكما إن خروج الإنسان عن الموضع الذي هو فيه انتقال منه إلى غيره كذلك عثاره وزلـله. اللغة: الزلة والخطيئة والمعصية والسيئة بمعنى واحد وضد الخطيئة الإصابة يقال زلَّت قدمه زلاًّ وزلّ في مقالته زلّة والمَزلّة المكان الدَحْض والمَزِلّة الزلل في الدحض وأزللت إلى فلان نعمة أي أسديت وفي الحديث: " من أُزِلَّت إليه نعمة فليشكرها " قال كُثير:
وَإِنِّي وَإِنْ صَدَّتْ لَمُثنٍ وصادِقٍ   عَلَيـْــها بِما كَانَتْ إِليْنا أَزَلَّتِ
والأصل في ذلك الزوال والزلّة زوال عن الحق وأزَلّه الشيطان إذا أزاله عن الحق والهبوط والنزول والوقوع نظائر وهو التحرك من علو إلى سفل ويقال هبطته وأهبطته والهبوط كالحدور وهو الموضع الذي يهبطك من أعلى إلى أسفل وقد يستعمل الهبوط بمعنى الحلول في المكان والنزول به قال الله تعالى:ٱهْبِطُواْ مِصْراً } [البقرة: 61] ويقول القائل هبطنا بلد كذا يريد حللنا قال زهير:
مَا زِلْتُ أَرْمُقُهُمْ حَتَّى إِذَا هَبَطَتْ   أَيْدِي الرَّكابِ بِهِم مِنْ رَاكسٍ فلِقَا
والعدّو نقيض الولي والعداوة المصدر وأصله من المجاوزة والقرار الثبات والبقاء وضد القرار الانزعاج وضد الثبات الزوال وضد البقاء الفناء والاستقرار الكون أكثر من وقت واحد على حال والمستقر يحتمل أن يكون بمعنى الاستقرار ويحتمل أن يكون بمعنى المكان الذي يستقر فيه والمتاع والتمتع والمتعة والتلذذ متقاربة المعنى وكل شيء تمتعت به فهو متاع والحين والزمان متقارب والحين في غير هذا الموضع ستة أشهر يدل عليه قولـه تعالى:تُؤْتِيۤ أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا } [إبراهيم: 25] والحين يصلح للأوقات كلها إلا أنه في الاستعمال في الكثير منها أكثر. المعنى: ثم بين سبحانه حال آدم عليه السلام قال { فأزلهما الشيطان } أي حملهما على الزلة نسب الإزلال إلى الشيطان لما وقع بدعائه ووسوسته وإغوائه عنها أي عن الجنة وما كان فيه من عظيم الرتبة والمنزلة والشيطان المراد به إبليس فأخرجهما مما كانا فيه من النعمة والدعة ويحتمل أن يكون أراد إخراجهما من الجنة حتى أهبطا ويحتمل أن يكون أراد من الطاعة إلى المعصية وأضاف الإخراج إليه لأنه كان السبب فيه كما يقال صرفني فلان عن هذا الأمر ولم يكن إخراجهما من الجنة وإهباطهما إلى الأرض على وجه العقوبة لأن الدليل قد دل على أن الأنبياء عليهم السلام لا تجوز عليهم القبائح على حال ومن أجاز العقاب على الأنبياء فقد أساء عليهم الثناء وأعظم الفرية على الله سبحانه وتعالى.

السابقالتالي
2