الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقُلْنَا يَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلْظَّٰلِمِينَ }

اللغة: السكون والاطمئنان والهُدوُّ نظائر والسكن بسكون الكاف العيال وأهل البيت والسكن بالفتح المنزل والسكن الرحمة والبركة في قولـهإِنَّ صَلَٰوتَك سَكَنٌ لَّهُمْ } [التوبة: 103] والزوج بطرح الهاء قال الأصمعي هو أكثر كلام العرب والأكل والمضغ واللَقْم متقارب وضد الأكل الأَزم وسأل عمر بن الخطاب الحارِث بن كَلْدة طبيب العرب فقال: يا حارث ما الدواء؟ فقال: الأَزْم أي ترك الأكل والرَغَد النفع الواسِع الكثير الذي ليس فيه عناء. قال ابن دريد: الرغد السعة في العيش والمشيئة من قبيل الإرادة وكذلك المحبة والاختيار والإيثار وإن كان لها شروط ذكرت في أصول الكلام والقرب الدنو قُرب الشيء يقرُب قرباً وقرِب فلان أهله يقرَب قِرباناً إذا غشيها وما قربت هذا الأمر قرباناً وقرباً والشجرة ما قام على ساق وجمعها أشجار وشجرات وشجر وتشاجر القوم اختلفوا أخذ من الشجر لاشتباك أغصانه والظلم والجور والعدوان متقارب وضد الظلم الإنصاف وضد الجور العدل وأصل الظلم انتقاص الحق قال الله تعالى:كِلْتَا ٱلْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئاً } [الكهف: 33] أي لم تنقص وقيل أصله وضع الشيء في غير موضعه من قولـه: " من أشبه أباه فما ظلم " أي فما ظلم أي فما وضع الشبه في غير موضعه وكلاهما مطرد وعلى الوجهين فالظلم اسم ذم لا يجوز إطلاقه على الأنبياء والمعصومين. الاعراب: قولـه: { اسكن أنت وزوجك } استقبح عطف الظاهر على الضمير المستكن والمتصل فقال: { اسكن أنت وزوجك الجنة } فأنت تأكيد للضمير المستكن في اسكن الذي هو فاعله وزوجك معطوف على موضع أنت فلو عطفه على الضمير المستكن لكان أشبه في الظاهر عطف الاسم على الفعل فأتى بالضمير المنفصل فعطفه عليه ورغداً منصوب لأنه صفة لمصدر محذوف كأنه قال أكلاً رغداً أي واسعاً كثيراً ويجوز أن يكون مصدراً وضع موضع الحال من قولـه كلا قال الخليل يقال قوم رَغَدْ ونساء رَغَدْ وعيش رَغَدْ ورغيد قال امرؤ القيس:
بَيْنَمَا المَرْءُ تَراهُ نَاعِمــاً   يَأْمَنُ الأَحْدَاثَ في عَيْشٍ رَغَدْ
فعلى هذا يكون تقديره وكلا منهما متوسعين في العيش و حيث مبني على الضم كما تبنى الغاية نحو من قبل ومن بعد لأنه منع من الإضافة إلى مفرد كما منعت الغاية من الإضافة وإنما يأتي بعده جملة اسمية أو فعلية في تقدير المضاف إليه ولا تقربا مجزوم بالنهي والألف ضمير الفاعلَيْن وقولـه فتكونا يحتمل أمرين أحدهما أن يكون جواباً للنهي فيكون منصوباً بإضمار أن وأن مع الفعل في تأويل اسم مفرد وإذا قدر إضمار أن بعد الفاء كان ذلك عطفا على مصدر الفعل المتقدم فيكون تقديره لا يكون منكما قرب لهذه الشجرة فتكونا من الظالمين فيكون الكلام جملة واحدة لأن المعطوف يكون من جملة المعطوف عليه وإنما سميناه جواباً لمشابهته الجزاء في أن الثاني سببه الأول لأن معنى الكلام أن تقربا هذه الشجرة تكونا من الظالمين والثاني أن يكون معطوفاً على النهي فيكون مجزوماً وتكون الفاء عاطفة جملة على جملة فكأنه قال فلا تكونا من الظالمين.

السابقالتالي
2 3 4