الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَٰئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَٰفِرِينَ }

القراءة: قرأ أبو جعفر وحده للملائكةُ اسجدوا بضم التاء حيث وقع وكذلك قل رب أحكم بضم الباء. الحجة: أتبع التاء ضمة الجيم وقيل إنهُ نقل ضمة الهمزة لو ابتدئ بها والأول أقوى لأن الهمزة تسقط في الدرج فلا يبقى فيها حركة تنقل. اللغة: السجود الخضوع والتذلل في اللغة وهو في الشرع عبارة عن عمل مخصوص في الصلاة كالركوع والقنوت وغيرهما وهو وضع الجبهة على الأرض ويقال سَجَدَ وأَسْجَدَ إِذا خضع قال الأعشى:
مَن يَلْقَ هَوذَةَ يَسْجُدْ غَيْرَ مُتَّئِفٍ   إِذا تَعَمَّمَ فَوْقَ الرَّأْسِ أَوْ خَضَعَا
وقال آخر:
فَكِلْتاهُمَا خَرَّتْ وَأَسجدَ رَأسُهَا   كَمَا سَجَدَتْ نَصْرَانَةٌ لَمْ تَحَنَّفِ
ونساء سجد إِذا كن فاترات الأعين قال:
وَلَهْوي إِلى حُوْرِ المَدامعِ سُجد   
والإِسجاد الإِطراق وإدامة النظر في فتور وسكون قال:
أَغَرَّكِ مِنّي أنَّ ذَلكِ عِنْدَنَا   وإِسجَادَ عَيْنَيْكِ الصَّيُودَيْنِ رَابحُ
وأبى معناه ترك الطاعة وامتنع والإِباء والترك والامتناع بمعنى ونقيض أبى أجاب ورجل أبيّ من قوم أُباة. وليس الإِباء بمعنى الكراهة لأن العرب تتمدح أنها تأبى الضيم ولا مدح في كراهية الضيم وإِنما المدح في الامتناع منه كقولـه تعلى:وَيَأْبَىٰ ٱللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰفِرُونَ } [التوبة: 32] أي يمنع الكافرين من إِطفاء نوره والاستكبار والتكبير والتعظم والتجبر نظائر وضده التواضع وحقيقة الاستكبار الأَنَفَة مما لا ينبغي أن يؤنف منه وقيل حده الرفع للنفس إِلى منزلة لا تستحقها فأصل الباب الكبر وهو العِظَم ويقال على وجهين كبر الجثة وكبر الشأن والله سبحانه الكبير من كبر الشأن وذلك يرجع إلى سعة مقدوراته ومعلوماته فهو القادر على ما لا يتناهى من جميع أجناس المقدورات والعالم بجميع المعلومات وإِبليس اسم أعجمي لا ينصرف في المعرفة للتعريف والعجمة قال الزجاج وغيره من النحويين: هو اسم أعجمي معرب واستدلوا على ذلك بامتناع صرفه وذهب قوم إلى أنه عربي مشتق من الإِبليس ووزنه أفعيل وأنشدوا للعجاج:
يا صَاحِ هل تَعْرِفُ رَسْماً مُكْرَسا   قـَــالَ نَعَــمْ أَعْرِفُهُ وَأَبْلَسَا
وزعموا أنه لم يصرف استثقالاً له من حيث إنه اسم لا نظير له في أسماء العرب فشبهته العرب بأسماء العجم التي لا تنصرف وزعموا أن إِسحاق من أسحقه الله تعالى إِسحاقاً وأيوب من آب يؤب وإِدريس من الدرس في أشباه ذلك وغلطوه في جميع ذلك لأن هذه الألفاظ معرّبة وافقت الألفاظ العربية وكان أبو بكر السراج يمثل ذلك على جهة التبعيد بمن زعم أن الطير ولدت الحوت وغلطوا أيضاً في أنه لا نظير له في أسماء العرب لأنهم يقولون إِزْمِيل للشَفْرَة وإِغريض للطلع وإِحْريض لصبغ أحمر ويقال هو العُصْفُر وسيف إِصليت ماض كثير وثوب إِضريج مْشْبَع الصبغ وقالوا هو من الصفرة خاصة ومثل هذا كثير وسبيل إِبليس سبيل إنجيل في أنه معرّب غير مشتق.

السابقالتالي
2 3 4 5