الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ يَآءَادَمُ أَنبِئْهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِيۤ أَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ }

القراءة: روي عن ابن عامر أنبئهم بالهمزة وكسر الهاء والباقون بضم الهاء. الحجة: من ضمّ الهاء حملها على الأصل أن تكون هاء الضمير مضمومة وإنما تكسر الهاء إِذا وليها كسرة أو ياء نحو بهم وعليهم ومع هذا فقد ضمّه قوم حملاً على الأصل ومن كسر الهاء التي قبلها همزة مخففة فإِن لذلك وجهاً من القياس وهو أنه اتبع كسرة الهاء الكسرة التي قبلها ولم يعتد بالحاجز الساكن كما حكي عنهم هذا المرْءُ ورأيت المَرْءَ ومررت بالمِرْءِ فاتبعوا مع هذا الفصل كما اتبعوا في اللغة الأخرى هذا امرُؤٌ ورأيت امرَءاً ومررت بامرِئٍ وحكى أبو زيد عن بعض العرب أخذت هذا منه ومنهما ومنهِمي فكسر المضمر في الإِدراج والوقف ولم أعرفهِ ولم أضربهِ. اللغة: الإِبداء والإِظهار والإِعلان بمعنى واحد وضد الإِبداء الكتمان وضد الإِظهار الإبطال وضد الإِعلان الإِسرار ويقال بدا يبدو بدواً من الظهور وبدأَ بالهمزة بمعنى استأنف وقال علي بن عيسى الرماني حد الظهور الحصول على حقيقة يمكن أن تعلم بسهولة والله سبحانه ظاهر بأدلته باطن عن إحساس خلقه وكل استدلال فإِنما هو ليظهر شيء بظهور غيره. الإعراب: آدم منادى مفرد مبني على الضم ومحله النصب لأن المنادى مدعو والمدعو مفعول. المعنى: ثم خاطب الله تعالى آدم فقال: { يا آدم أنبئهم } أي أخبر الملائكة { بأسمائهم } يعني بأسماء الذين عرضهم عليهم وهم كناية عن المرادين بقولـه أسماء هؤلاء وقد مضى بيانه { فلما أنبأهم } يعني أخبرهم آدم { بأسمائهم } أي باسم كل شيء ومنافعه ومضاره قال الله تعالى للملائكة " ألم أقل لكم " الألف للتنبيه وإِن كان أصلها الاستفهام كقول القائل:
أما ترى اليوم ما أطيبه   
لمن يعلم ذلك وحكى سيبويه أما ترى أي برق ههنا ومن الناس من قال إن هذه الألف معناها التوبيخ ومن لم يُجز على الملائكة المعصية منع من ذلك { إِني أعلم غيب السماوات والأرض } أيْ أعلم ما غاب فيهما عنكم فلم تشاهدوا كما أعلم ما حضركم فشاهدتموه { وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون } قيل فيه أقوال: أحدها: أنه أراد أعلم سرّكم وعلانيتكم وذكر ذلك تنبيهاً لهم على ما يحيلهم عليه من الاستدلال لأنّ الأصول الأول التي يستدل بها إِنما تذكر على وجه التنبيه ليستخرج بها غيرها فيستدل بعلمه الغيب على أنه خلق عباده على ما خلقهم عليه للاستصلاح في التكليف وما توجبه الحكمة وثانيها: أنه أراد أعلم { ما تبدون } من قولكم أتجعل فيها من يفسد فيها { وما كنتم تكتمون } من إِضمار إِبليس المعصية والمخالفة قال علي بن عيسى وهذا ليس بالوجه لأن الخطاب للملائكة وليس إِبليس منهم ولأنه علم فلا يخص إِلا بدليل وجوابه أن إِبليس لما دخل معهم في الأمر بالسجود جاز أن يذكر في جملتهم وقد رويت روايات تؤيد هذا القول واختاره الطبري وثالثها: أن الله تعالى لما خلق آدم مرت به الملائكة قبل أن ينفخ فيه الروح ولم تكن رأت مثله فقالوا لن يخلق الله خلقاً إِلا كنا أكرم منه وأفضل عنده فهذا ما أخفوه وكتموه وأما ما أبدوه فقولـهم { أتجعل فيها من يفسد فيها } روي ذلك عن الحسن والأول أقوى لأنه أعم ومما يسأل في هذه الآية أن يقال ما وجه ذكره تعالى لهم الأسرار من علم الغيب والجواب أنه على معنى الجواب فيما سألوا عنه من خلق من يفسد ويسفك الدماء على وجه التعريض دون التصريح لأنه لو صرح بذلك لقال خلقت من يفسد ويسفك الدماء لما أعلم في ذلك من المصلحة لعبادي فيما كلفتهم إِياه فدلّ سبحانه الإِحالة في الجواب على العلم بباطن الأمور وظاهرها أنه خلقهم لأجل علمه بالمصلحة في ذلك ودلّهم بذلك على أن عليهم الرضا بأمر الله والتسليم لقضاء الله لأنه يعلم من الغيب ما لا يعلمونه ويعلم من مصالحهم في دينهم ودنياهم ما لا يطلعون عليه.

السابقالتالي
2 3