الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَٰئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }

اللغة: القول موضوع في كلام العرب للحكاية نحو قولك قال زيد خرج عمرو والربّ السيد يقال ربّ الدار ورب الفرس ولا يقال الرب بالألف واللام إلا لله تعالى وأصله من ربّيته إذا قمت بأمره ومنه قيل للعالم ربّاني لأنه يقوم بأمر الأمة والملائكة جمع ملك واختلف في اشتقاقه فذهب أكثر العلماء إلى أنه من الألوكة وهي الرسالة وقال الخليل الألوك الرسالة وهي المألكة على مفعلة وقال غيره إنما سميت الرسالة ألوكاً لأنها تولك في الفم أي تمضغ والفرس تألك اللجام وتعلك قال عدي بن زيد:
أَبْلِغَا النُّعْمانَ عَنّي مألُكاً   أنَّهُ قَدْ طَالَ حبسي وانْتِظارِي
ويروى ملاءكاً وقال لبيد:
وَغُلامٍ أرْسَلْتُهُ أُمُّهُ   بِأَلُوكٍ فَبَذلْنَا ما سَألْ
وقال الهذلي:
أَلِكْني إِلَيْهَا وَخيرُ الرْسو   لِ أعْلَمُهُمْ بِنَوَاحِي الخَبَرْ
فالملائكة على هذا وزنها مفاعلة مقلوبة جمع مَلأَك في معنى مالك قال الشاعر:
فَلَسْتُ لإِنْسِيٍ وَلَكِنْ لِمَلأكٍ   تَنَزَّلَ مِنْ جَوِ السماءِ يَصوبُ
فوزن ملأك مفعل مقلوب مالك مفعل ومن العرب من يستعمله مهموزاً والجمهور منهم على إلقاء حركة الهمزة على اللام وحذفها فيقال ملك وذهب أبو عبيدة إلى أن أصله من لأك إِذا أرسل فملأك على هذا القول مفعل وملائكة مفاعلة غير مقلوبة والميم في هذين الوجهين زائدة. وذهب ابن كيسان إلى أنه من الملك وأن وزن مَلأَكَ فَعاْل مثل شَمْأَل وملائكة فعائلة فالميم على هذا القول أصلية والهمزة زائدة والملك وإن كان أصله الرسالة فقد صار صفة غالبة على صنف من رسل الله غير البشر كما أن السماء وإن كان أصله الارتفاع فقد صار غالباً على السماوات المعروفة. وقال أصحابنا رضي الله عنهم إن جميع الملائكة ليسوا برسل الله بدلالة قولـه تعالى:يَصْطَفِي مِنَ ٱلْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ ٱلنَّاسِ } [الحج: 75] فلو كانوا كلهم رسلاً لكان جميعهم مصطفين فعلى هذا يكون الملك اسم جنس ولا يكون من الرسالة والجعل والخلق والفعل والإحداث نظائر إلا أن الجعل قد يتعلق بالشيء لا على سبيل الإيجاد بخلاف الفعل والإحداث تقول جعلته متحركاً وحقيقة الجعل تغيير الشيء عما كان عليه وحقيقة الفعل والإحداث الإيجاد والخليفة والإِمام واحد في الاستعمال إلا أن بينهما فرقاً فالخليفة استخلف في الأمر مكان من كان قبله فهو مأخوذ من أنه خلف غيره وقام مقامه والإِمام مأخوذ من التقدم فهو المتقدم فيما يقتضي وجوب الاقتداء به وفرض طاعته فيما تقدم فيه والسفك صب الدم والدم قد اختلف في وزنه فقال بعضهم دَمَيٌ على وزن فَعَل قال الشاعر:
فلَو أنَّا عَلى حَجَرٍ ذُبِحْنَا   جَرَى الدَّميَانِ بِالْخَبَرِ الْيَقِينِ
وقيل أصله دَمْيٌ على وزن فعل والشاعر لما ردَّ الياء في التثنية لقلة الاسم حركه ليعلم أنه متحركاً قبل ذلك والتسبيح التنزيه لله تعالى عن السوء وعما لا يليق به والسبوح المستحق للتنزيه والتعظيم والقدوس المستحق للتظهير والتقديس التطهير ونقيضه التنجيس والقدس السطل الذي يتطهر منه وقد حكى سيبويه أن منهم من يقول سَبّوح قَدّوس بالفتح والضم أكثر في الكلام والفتح أقيس لأنه ليس في الكلام فُعّول إلاّ ذُرّوح وسبحان اسم المصدر قال سيبويه: سبحان الله معناه براءة الله من كل سوء وتنزيه الله قال الأعشى:

السابقالتالي
2 3 4