الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلٰوةَ وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ }

القراءة: قرأ أبو جعفر وعاصم في رواية الأعشى عن أبي بكر بترك كل همزة ساكنة مثل يؤمنون ويأكلون ويؤتون وبئس ونحوها ويتركان كثيراً من المتحركة مثل يؤده ولا يؤاخذكم ويؤيد بنصره ومذهب أبي جعفر فيه تفصيل يطول ذكره وأما أبو عمرو فيترك كل همزة ساكنة إلا أن يكون سكونها الهمزة فيها وروي عنه الهمزة أيضاً في الساكنة وأما نافع فيترك كل همزة ساكنة ومتحركة إذا كانت فاءً من الفعل نحو يؤمنون ولا يؤاخذكم واختلفت قراءة الكسائي وحمزة ولكل واحد منهم مذهب فيه يطول ذكره فالهمز على الأصل وتركه للتخفيف. اللغة والإعراب: الذين جمع الذي واللائي واللاتي: جمع التي وتثنيتهما اللذان واللتان في حال الرفع واللذين واللتين في حال الجر والنصب وهي من الأسماء التي لا تتم إلا بصلاتها نحو من وما وأي وصلاتها لا تكون إلا جملاً خبرية يصح فيها الصدق والكذب ولا بد أن يكون فيها ضمير يعود إلى الموصول فإذا استوفت الموصولات صلاتها كانت في تأويل اسم مفرد مثل زيد وعمرو ويحتاج إلى جزء آخر تصير به جملة فقولـه الذين موصول ويؤمنون صلة ويحتمل أن يكون محله نصباً وجراً ورفعاً فالنصب على المدح تقديره أعني الذين يؤمنون وأما الجر فعلى أنه صفة للمتقين وأما الرفع فعلى المدح أيضاً كأنه لما قيل هدى للمتقين قيل من هم قيل هم الذين يؤمنون بالغيب فيكون خبرَ مبتدأ محذوف ويؤمنون معناه يصدقون والواو في موضع الرفع بكونه ضمير الفاعلين والنون علامة الرفع والأصل في يُفعل يؤفعل ولكن الهمزة حذفت لأنك إذا أنبأت عن نفسك قلت أنا أُفعل فكانت تجتمع همزتان فاستثقلتا فحذفت الهمزة الثانية فقيل أفعل ثم حذفت من الصيغ الآخر نفعل وتفعل ويفعل كما أن باب يعد حذفت منه الواو لوقوعها بين ياء وكسرة إذ الأصل يوعد ثم حذفت في تعد وأعد ونعدي ليجري الباب على سنن واحد قال الأزهري اتفق العلماء على أن الإيمان هو التصديق قال الله تعالى:وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا } [يوسف: 17] أي ما أنت بمصدق لنا قال أبو زيد وقالوا ما أمنت أن أجد صحابة أي ما وثقت فالإيمان هو الثقة والتصديق قال الله تعالىٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِآيَاتِنَا } [الزخرف: 69] أي صدقوا ووثقوا بها وقال الشاعر أنشده ابن الأنباري:
وَمِنْ قَبلُ آمَنَّا وَقْد كانَ قَومُنا   يُصلُّونَ للأوْثانِ قَبلُ مُحمَّدا
ومعناه آمنا محمداً أي صدّقناه ويجوز أن يكون آمن من قياس فعلته فافعل تقول أمنته فأمن مثل كببته فاكب والأمن خلاف الخوف والأمانة خلاف الخيانة والأمون الناقة القوية كأنها يؤمن عثارها وكلالها ويجوز أن يكون آمن بمعنى صار ذا أمن على نفسه بإظهار التصديق نحو أجرب وأعاهَ وأصح وأسلم صار ذا سلم أي خرج عن أن يكون جرباً هذا في أصل اللغة أما في الشريعة فالإيمان هو التصديق بكل ما يلزم التصديق به من الله تعالى وأنبيائه وملائكته وكتبه والبعث والنشور والجنة والنار وأما قولنا في وصف القديم تعالى المؤمن فإنه يحتمل تأويلين أحدهما أن يكون من آمنت المتعدي إلى مفعول فنقل بالهمزة فتعدى إلى مفعولين فصار من أمن زيد العذاب وآمنته العذاب فمعناه المؤمن عذابه من لا يستحقه من أوليائه ومن هذا وصفه سبحانه بالعدل كقولـه:

السابقالتالي
2 3 4