الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرِّبَٰواْ لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَانُ مِنَ ٱلْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْبَيْعُ مِثْلُ ٱلرِّبَٰواْ وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلْبَيْعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَٰواْ فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ فَٱنْتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى ٱللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

اللغة: أصل الربا الزيادة من قولـهم ربا الشيء يربو إذا زاد والربا هو الزيادة على رأس المال وأربى الرجل إذا عامل في الربا ومنه الحديث: " من أجبى فقد أربى " وأصل التخبط الخبط وهو الضرب على غير استواء خَبَطته أخْبِطُه خَبْطاً والخبط ضرب البعير الأرض بيده والتخبط أيضاً بمعناه يقال تخبط البعير الأَرض إذا ضربها بقوائمه ويقال للذي يتصرف في أمر ولا يهتدي فيه هو يخبط خبط عشواء قال زهير:
رَأيْتُ الْمَنايا خَبْطَ عَشْواءَ مَنْ تُصِبْ   تُمِتْهُ وَمَنْ تُخْطِىءْ يُعَمَّرْ فَيَــهْرَمِ
والتخبط المس بالجنون والتخبل لأَنه كالضرب على غير استواء في الإِدهاش والخباط داء كالجنون لأَنه اضطراب في العقل يقال به خَبْطة من جنون ويقال بفلان مَسٌّ وألْسٌ وأوْلَقٌ أي جنون والسُلوف التقدم يقال سلف يَسْلُف سلوفاً ومنه الأُمم السالفة أي الماضية والسالفة أعلى العنق والإِسلاف الإِعطاء قبل الاستحقاق يقال أسلفته إسلافاً، وسُلافة الخمر صفوها لأَنه أول ما يخرج من عصيرها والعود الرجوع وعيادة المريض المصير إليه ليعرف خبره والعود من العيدان لأنه يعود إذا قطع ومنه العود الذي يتبخر به والمعاد: كل شيء إليه المصير والآخرة معاد الناس والعادة تكرر الشيء مرة بعد مرة والعيد كل يوم مجمع عظيم لأَنه يعود في السنة أو الأسبوع والعائدة الصلة لأَنها تعود بالنفع على صاحبها. الإِعراب: { كما يقوم } الكاف في محل النصب على المصدر والموصول حرف تقديره لا يقومون إلا مثل قيام الذي يتخبطه الشيطان ومن ألمس يتعلق بيتخبط ومن للتبيين. المعنى: لما حَثَّ الله تعالى على الإِنفاق وبين ما حصل للمنفق من الأَجر العاجل والآجل عَقَّبه بذكر الربا الذي ظنه الجاهل زيادة في المال وهو في الحقيقة محق في المال فقال { الذين يأكلون الربا } في الدنيا { لا يقومون } يوم القيامة { إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } معناه إلاّ مثل ما يقوم الذي يصرعه الشيطان من الجنون فيكون ذلك إمارة لأَهل الموقف على أنهم أكلة الربا عن ابن عباس والحسن وسعيد بن جبير وقتادة ومجاهد، وقيل إن هذا على وجه التشبيه لأَن الشيطان لا يصرع الإنسان على الحقيقة ولكن من غلب عليه المرة السود أو ضعف عقلـه ربما يخيل الشيطان إليه أموراً هائلة ويوسوس إليه فيقع الصرع عند ذلك من فعل الله ونسب ذلك إلى الشيطان مجازاً لما كان ذلك عند وسوسته عن أبي علي الجبائي. وقيل يجوز أن يكون الصرع من فعل الشيطان في بعض الناس دون بعض عن أبي الـهذيل وابن الإخشيد، قالا لأَن الظاهر من القرآن يشهد به وليس في العقل ما يمنع منه ولا يمنع الله تعالى الشيطان عنه امتحاناً لبعض الناس وعقوبة لبعضهم على ذنب ألَمَّ به ولم يتب منه كما يتسلط بعض الناس على بعض فيظلمه ويأخذ مالـه ولا يمنعه الله تعالى ويكون هذا علامة لآكلي الربا يعرفون بها يوم القيامة كما أن على كل عاص من معصيته علامة تليق به فيعرف بها صاحبها وعلى كل مطيع من طاعته إمارة تليق به فيعرف بها صاحبها وذلك معنى قولـه تعالى:

السابقالتالي
2 3