الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي ٱلأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ }

القراءة: قرأ حمزة وعاصم وأبو جعفر وابن عامر يحسبهم بفتح السين كل القرآن والباقون بكسرها. اللغة: قال أبو زيد حَسِبت الشيء أحسبه وأحسِبه حِسْبانا وحسَبت الشيء أحْسبُه حِساباً وحِسابة وحِسباناً وأحْسَبت الرجل إحْساباً إذا أطعمته وسقيته حتى يشبع ويروى وتعطيه حتى يرضى والإِحصار المنع عن التصرف لمرض أو حاجة أو مخافة والحصر هو منع الغير وليس كالأَول لأَنه منع النفس وقد تقدم تفسيره عند قولـه { فإن أحصرتم } والضرب المشي في الأَرض والسيماء العلامة التي يعرف بها الشيء وأصلـه الارتفاع لأنه علامة رفعت للظهور ومنه السوم في البيع وهو الزيادة في مقدار الثمن للارتفاع فيه عن الحد ومنه سوم الخسف للرفع فيه بتحميل ما يشق ومنه سوم الماشية إرسالـها في المرعى والتعفف ترك السؤال يقال عف عن الشيء وتعفف عنه إذا تركه ومنه قول رؤبة:
فعف عن أسرارها بعد العسقْ   
أي تركها والإِلحاف الإِلحاح في المسألة قال الزجاج معنى ألْحف شمل بالمسألة وهو مستغن عنها واللحاف من هذا اشتقاقه لأَنه يشمل الإِنسان في التغطية. الإعراب: العامل في قولـه { للفقراء } محذوف وتقديره النفقة للفقراء وقد تقدم ما يدل عليه وقال بعضهم هو مردود على اللام الأُولى من قولـه { وما تنفقوا من خير فلأَنفسكم } قال علي بن عيسى وهذا لا يجوز لأَن بدل الشيء من غيره لا يكون إلا والمعنى يشتمل عليه وليس كذلك ذكر النفس ها هنا لأَن الإِنفاق لـها من حيث هو عائد إليها وللفقراء من حيث هو واصل إليهم وليس من بابوللـه على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً } [آل عمران: 97] لأن الأمر لازم للمستطيع خاصة ولا يجوز أن يكون العامل فيه { تنفقوا } لأَنه لا يفصل بين العامل والمعمول فيه بالأَجنبي كما لا يجوز كانت زيداً الحمى تأخذه { لا يستطيعون ضرباً } جملة في موضع الحال من يسألون أي لا يسألون ملحفين ويجوز أن يكون مصدراً لأَن الإِلحاف سؤال على صفة. النزول: قال أبو جعفر ع نزلت الآية في أصحاب الصُفَّة وكذلك رواه الكلبي عن ابن عباس وهم نحو أربعمائة رجل لم يكن لـهم مساكن بالمدينة ولا عشائر يأوون إليهم فجعلوا أنفسهم في المسجد وقالوا نخرج في كل سرية يبعثها رسول الله فحثّ الله الناس عليهم وكان الرجل إذا أكل وعنده فضل أتاهم به إذا أمسى. المعنى: لما أمر سبحانه بالنفقة ورغَّب فيها بأبلغ وجوه الترغيب وبيَّن ما يكمل ثوابها عقَّب ذلك ببيان أفضل الفقراء الذين هم مصرف الصدقات فقال { للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله } معناه النفقة المذكورة في هذه الآية وما قبلـها للفقراء الذين حبُسوا ومُنعوا في طاعة الله أي منعوا أنفسهم من التصرف في التجارة للمعاش إما لخوف العدو من الكفار وإما للمرض والفقر وإما للإِقبال على العبادة وقولـه في سبيل الله يدل على أنهم حبسوا أنفسهم عن التقلب لاشتغالـهم بالعبادة والطاعة.

السابقالتالي
2