الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ ٱللَّهِ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ }

الإعراب: { ما تنفقوا من خير فلأَنفسكم } شرط وجزاء { وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله } قيل لفظه نفي ومعناه النهي أي لا تنفقوا كقولـهلا يَمَسُّه إلا المطهرون } [الواقعة: 79] وقيل: هي جملة مفيدة بنفسها على ما قبلـها وهو خبر على ظاهره وابتغاء نصب لأَنه مفعول لـه { وما تنفقوا من خير يوف إليكم } شرط كالأَول ولذلك حذف النون في الموضعين. النزول: كان المسلمون يمتنعون عن الصدقة على غير أهل دينهم فأنزل الله تعالى هذه الآية عن ابن عباس وابن الحنفية وسعيد بن جبير وقيل كانت أسماء بنت أبي بكر مع رسول الله في عمرة القضاء فجاءتها أمها فتيلة وجَدَّتها تسألانها وهما مشركتان فقالت لا أعطيكما شيئاً حتى أستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنكما لستما على ديني فاستأذنته في ذلك فأنزل الله هذه الآية عن الكلبي. المعنى: { ليس عليك هداهم } قيل في وجه اتصالـه بما قبلـه وجوه أحدها: أن معناه: ليس عليك هداهم بمنع الصدقة عنهم لتحملـهم به على الإِيمان وهو نظير قولـهأفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين } [يونس: 99] عن ابن عباس وسعيد بن جبير، وعلى هذا يكون معناه الإباحة للتصديق عليهم بصدقة التطوع وثانيها: أن معناه ليس عليك هداهم بالحمل على النفقة في وجوه البر وسبل الخير عن الحسن وأبي علي الجبائي وتقديره ليس عليك أن تهدي الناس إلى نيل الثواب والجنة وإنما عليك أن تهديهم إلى الإِيمان بأن تدلـهم عليه وهذا تسلية للنبي لأنه كان يغتمّ بترك قبولـهم منه وامتناعهم عن الإِيمان لعلمه بما يؤول إليه أمرهم من العقاب الدائم فسلاَّه الله تعالى بهذا القول وثالثها: أن المراد ليس عليك أن تهدي الناس بعد أن دعوتهم وأنذرتهم وبلَّغتهم ما أمرت بتبليغه ونظيره إن عليك إلا البلاغ وليس المعنى ليس عليك أن تهديهم إلى الإِيمان والطاعة لأَنه ما بعث إلا لذلك. { ولكن الله يهدي من يشاء } إنما علّق الـهداية بالمشيئة لمن كان المعلوم منه أنه يصلح باللطف أي بلطف الله بزيادة الـهدى والتوفيق لمن يشاء عن الزجاج وأبي القاسم البلخي وأكثر أهل العلم، وقيل معناه يهدي إلى طريق الجنة عن الجبائي { وما تنفقوا من خير فلأَنفسكم } أي ما تنفقوا في وجوه البر من مال فلأَنفسكم ثوابه والغرض فيه الترغيب في الإِنفاق لأَن الإِنسان إذا علم منفعة إنفاقه عائدة إليه مختصة به كان أسمح بالإِنفاق وأرغب فيه وأحرص عليه وبذلك يفارق عطية الله لأَن المنفعة في عطائه عائدة إلى المعطي ومختصة به دون الله ومعظم المنفعة في عطية العبد ترجع إليه وتختص به دون المعطى. { وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله } أي إلا طلب رضوان الله وهذا إخبار من الله عن صفة أنفاق المؤمنين المخلصين المستجيبين للـه ولرسولـه أنهم لا ينفقون ما ينفقونه إلا طلباً لرضاء الله تعالى وقيل إن معناه النهي وإن كان ظاهره الخبر أي ولا تنفقوا إلا ابتغاء مرضاة الله وفي ذكر الوجه هنا قولان أحدهما: أن المراد به تحقيق الإِضافة لأَن ذكر الوجه يرفع الإِبهام أنه لـه ولغيره وذلك أنك لما ذكرت الوجه ومعناه النفس دل على أنك تصرف الوهم عن الاشتراك إلى تحقيق الاختصاص وكنت بذلك محققاً للإِضافة ومزيلاً لإِبهام الشركة والثاني: أنك إذا قلت فعلته لوجه زيد كان أشرف في الذكر من فعلته لـه لأن وجه الشيء في الأصل أشرف ما فيه ثم كثر حتى صار يدل على شرف الذكر من غير تحقيق وجه ألا ترى أنك تقول وجه الرأي ووجه الأمر ووجه الدليل فلا تريد تحقيق الوجه وإنما تريد أشرف ما فيه من جهة شدة ظهوره وحسن بيانه { وما تنفقوا من خير يوف إليكم } أي يوفّر عليكم جزاؤه وثوابه والتوفية إكمال الشيء وإنما حسن إليكم مع التوفية لأَنها تضمنت معنى التأدية وقيل معناه تعطون جزاءه وافراً وافياً في الآخرة عن ابن عباس { وأنتم لا تظلمون } بمنع ثوابه ولا بنقصان جزائه كقولـه { آتت أُكلـها } ولم تظلم منه شيئاً أي لم تنقص.