الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوٰلَهُمُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

القراءة: قرأ عاصم وابن عامر بربوة بفتح الراء والباقون بضمها وروي في الشواذ عن ابن عباس بكسر الراء وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمر أكْلـها بالتخفيف والباقون بالتثقيل. اللغة: الربوة والربوة والربوة بالحركات الثلاث في الراء والرباوة الرابية قال أبو الحسن والذي نختاره رُبوة بضم الراء ويؤيد هذا الاختيار قولـهم رُبا في الجمع والأكل المأكول يدل على ذلك قولـه تعالى:تؤتي أكُلـها كل حين } [إِبراهيم: 25] أي ما يؤكل منها قال الأعشى:
جُنْدُكَ التّالِدُ الطَّرِيفُ مِنْ السّا   داتِ أَهْلِ الْقِبابِِ وَالآكالِ
فالآكال: جمع أكل مثل عنق وأعناق والأكل الفعل والأكلة الطعمة والأكلة الواحدة قال الشاعر:
فما أَكْلَةٌ إنْ نِلتَها بِغَنيمَةٍ   وَلا جَوْعَةٌ إنْ جُعْتَها بِغَرامِ
ففتح الألف من الفعلة بدلالة قولـه ولا جوعة وإن شئت ضممت وعنيت الطعام وقال أبو زيد: أنه لذو أكل أي لـه حظ ورزق من الدنيا وضعف الشيء مثلـه زائداً عليه وضعفاه مثلاه زائدين عليه وقال قوم ضعف الشيء مثلاه، والطَلّ المطر الصغار يقال أَطلَّتِ السماء فهي مطلّة وروضة طلّة ندية والطلّ إبطال الدم بأن لا يثأر بصاحبه طُلَّ دمه فهو مطلول لأنه بمنزلة ما جاء عليه الطل فأذهبه فكأنه قيل غسلـه والطلل ما شخص من الدار لأنه كموضع الندى بالطل لعمارة الناس لـه خلاف المستوى القفز لأن الخصب حيث تكون الأبنية وصار الطلل اسماً لكل شخص والإطلال الإشراف على الشيء وما بالناقة طَلّ أي طرق وهو الشحم وطَلّة الرجل امرأته وأصل الباب الطل المطر. الإعراب: ابتغاء مرضاة الله مفعول لـه وتثبيتاً معطوف عليه بربوة الجار والمجرور في موضع الصفة لجنة وأصابها وابل في موضع جر لأنها صفة بعد صفة وضعفين حال من أكل قال الزجاج ارتفع طل على معنى فإن لم يصبها وابل فالذي يصيبها طل فعلى هذا يكون خبر مبتدأ محذوف ويجوز أن يكون فاعل فعل مقدر أي فيصيبها طل. المعنى: { ومثل الذين ينفقون } أي يخرجون: { أموالـهم } في أعمال البر: { ابتغاء مرضات الله } أي طلباً لرضاء الله: { وتثبيتاً من أنفسهم } بقوة اليقين والبصيرة في الدين عن سعيد بن جبير والسدي والشعبي، وقيل معناه أنهم يُثبّتون أين يضعون صدقاتهم عن الحسن ومجاهد وقيل معناه وتوطيناً لنفوسهم على الثبوت على طاعة الله عن أبي علي الجبائي، واعترض على الحسن ومجاهد بأنه لم يقل وتثبيتاً وليس هذا بشيء لأنهم إذا ثبتوا أنفسهم فقد ثبتوا وقولـه: { كمثل جنة بربوة } معناه كمثل بستان لمرتفع من الأرض وإنما خص الربوة لأن نبتها يكون أحسن وريعها أكثر من المستغل الذي يسيل الماء إليه ويجتمع فيه فلا يطيب ريعه ألم تر إلى قول الأعشى:
ما رَوْضَةٌ مِنْ رِياضِ الْحَزْنِ معْشَبَةٌ   خَضْراءُ جادَ عَلَيْها مُسْبِلٌ هَطِلُ

السابقالتالي
2