الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَآ أَنْفَقُواُ مَنّاً وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }

اللغة: المنّ هو ذكر ما ينغص المعروف كقول القائل أحسنت إلى فلان وأنعشته ونحو ذلك وأصل المن القطع ومنه قولـه:لـهم أجر غير ممنون } [فصلت: 8] أي غير مقطوع ومنه قولـهم حبل منين أي ضعيف لأنه مقطع وسمي ما يكدر المعروف بأنه منة لأنه يقطع الحق الذي يجب به والمنة النعمة العظيمة سميت بذلك لأنها تجل عن قطع الحق بها لعظمها والمنة القوة في القلب والمن الذي يقع من السماء والمن الذي يوزن به لأنه يقطع على مقدار مخصوص والأذى ضرر يتعجل وصولـه إلى المضرور والخوف توقع الضرر وهو يرجع إلى الاعتقاد والحزن الغم الذي يغلظ على النفس. المعنى: لما أمر الله تعالى بالإنفاق عقّبه ببيان كيفية الإنفاق فقال: { الذين ينفقون } أي يخرجون: { أموالـهم في سبيل الله } وقد تقدم بيانه: { ثم لا يتبعون ما أنفقوا } أي نفقاتهم: { منًّا } أي منة على المعطى: { ولا أذى } لـه والمن هو أن يقول لـه ألم أعطك كذا ألم أحسن إليك ألم أغنك ونحوها والأذى أن يقول أراحني الله منك ومن ابتلائي بك ويحتمل أن يكون معنى الأذى أن يعبس وجهه عليه أو يتعبه ويؤذيه فيما يدفعه إليه أو يصرفه في بعض أشغالـه بسبب إنفاقه عليه فكل هذا من المن والأذى الذي يكدر الصنيعة وينغص النعمة ويبطل الأجر والمثوبة وقولـه: { لـهم أجرهم عند ربهم } إلى آخره قد مرّ تفسيره وقيل معناه لـهم جزاء أعمالـهم عند ربهم وإنما قال عند ربهم لتكون النفس أسكن إليه وأوثق به لأن ما عنده لا يخاف عليه فوت ولا نقص: { ولا خوف عليهم } من فوت الأجر ونقصانه يوم القيامة: { ولا هم يحزنون } لفوته ونقصانه وفي هذه الآية دلالة على أنه يصح الوعد بشرط لأن مفهوم الكلام أن تقديره في المعنى إن لم يتبعوا ما أنفقوا منا ولا أذى فلـهم من الأجر كذا والوعد وإذا كان مشروطاً فمتى لم يحصل الشرط لم يحصل استحقاق الثواب وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " المنان بما يعطي لا يكلمه الله ولا ينظر إليه ولا يزكيه ولـه عذاب أليم ".