الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ ٱلطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ ٱجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ٱدْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَٱعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

القراءة: قرأ أبو جعفر وحمزة وخلف ورويس عن يعقوب فَصِرهن بكسر الصاد والباقون فَصُرهن بضم الصاد وروي في الشواذ عن ابن عباس فَصِرَّهن بكسر الصاد وتشديد الراء وفتحها وعن عكرمة فَصَرِّهن بفتح الصاد وكسر الراء وتشديدها وقرأ عاصم في رواية أبي بكر جُزُأً مثقلاً مهموزاً حيث وقع وقرأ أبو جعفر جزءاً مشدداً والباقون بالـهمز والتخفيف. الحجة: يقال بصرته أصوره أي أملته ومنه قول الشاعر:
يصور عنوقها أحوى زنيمُ   
أي يميل عنوق هذه الغنم تَيْس أحوى وصرته أصوره قطعته قال أبو عبيدة فصرهن من الصور وقال هو القطع وقال أبو الحسن وقد قالوا بمعنى القطع صار يصير أيضاً قال الشاعر:
وَفَرعٌ يَصِيرُ الجيْدَ وَحْفٌ كَأَنَّه   عَلَى اللِيتِ قِنْوانُ الكُرومِ الدَّوالِحِ
ومعنى هذا يميل الجيد من كثرته فقد ثبت أن الميل والقطع يقال في كل واحد منهما أيضاً صار يصير، فمن جعل فصرهن إليك بمعنى أملـهن إليك حذف من الكلام والمعنى أملـهن إليك فقطعهن ثم اجعل على كل جبل منهن جزأ فحذف الجملة لدلالة الكلام عليها كما حذف من قولـهاضرب بعصاك البحر فانفلق } [الشعراء: 63] أي فضرب فانفلق ومن قدر فصرهن على معنى فقطعهن لم يحتج إلى إضمار ويحتمل كلا الوجهين كل واحد من القراءتين على ما ذكرناه وقولـه إليك إن جعلت صرهن بمعنى فقطعهن كان إليك متعلقاً بخذ أي خذ إليك أربعة من الطير فقطعهن ثم اجعل وإن جعلته بمعنى أملـهن احتمل إليك أن يكون متعلقاً بخذ وأن يكون متعلقاً بصرهن، وقياس قول سيبويه أن يكون متعلقاً بقولـه فصرهن لأنه أقرب إليه ومن قرأ فَصِرَّهن بكسر الصاد وتشديد الراء فإنه يكون من صَرَّه يَصِرّه أي قَطَعه والمتعدي من هذا الباب قليل وقد روي عن عكرمة أيضاً فَصُرَّهُنَّ بضم الصاد فيكون من صَرَّه يَصُرُّه وهذا على القياس ومن قرأ فَصَرِّهُنَّ فهو فَعِلَّـهُنّ من صَرّى يُصَرّي تصرية إذا حبس وقطع قال:
رُبَّ غُلامٍ قَدْ صَرّى في فِقْرَتِه   ماءَ الشَباب عُنْفُوانَ شِرَّتِه
أي حبسه وقطعه ومنه الشاة المصراة أي المحبوسة اللبن المقطوعة في ضرعها عن الخروج وأما الوجه في قراءة من قرأ جُزُأ بالتثقيل فقد ذكرنا عند قولـه تعالى { قالوا أتتخذنا هزوأً } ومن قرأ جزًّا بالتشديد فأصلـه جزءاً ثم خفف همزته ثم إنك إذا وقفت كان لك السكون وإن شئت الإشمام فتقول الجزو وإن شئت التشديد فتقول الجزّ ثم إنه وصل على وقفه فقال جزّاً كما قال الشاعر:
ببازِلٍ وَجْناءَ أَوْ عَيَهلِّ   كَأَنَّ مَهْواها عَلَى الكَلْكَلِّ
فأجرى الوصل مجرى الوقف. اللغة: اطمأَن يطمئن توطأ والمطمئن من الأرض ما انخفض وتطامن واطمأن إليه إذا وثق به لسكون نفسه إليه ولتوطي حالـه بالأمانة عنده، وأصل الباب التوطئة والطير معروف وطار يطير طيراناً وطيرورة والباب يدل على خفة الشيء في الـهواء ثم يستعار ذلك في غيره وفي كل سرعة وتَطَيَّر من الطيرة وهو زجر الطير بما يكره وطائر الإنسان عملـه الذي تقلده من خير أو شر لأنه بمنزلة طائر الزجر في البركة والتشؤم، وفجر مستطير منتشر في الأفق وغبار مستطار وفرس مطار حديد الفؤاد لأنه طيار في جريه والجبل وتد من أوتاد الأرض وجُبِل فلان على كذا أي طبع ورجل ذو جبلة إذا كان غلظ الجسم والجِبِلّة الأمة من الناس وأجبل الحافر إذا بلغ إلى صلابة لا يمكنه الحفر عندها ومنه أجبل الشاعر إذا صعب عليه القول والجزء بعض الشيء وجزّأته بعّضته والفرق بين الجزء والسهم أن السهم من الجملة ما ينقسم عليه نحو الاثنين من العشرة، وقد يقال لما لا ينقسم عليه نحو الثلاثة من العشرة ولا تنقسم العشرة عليها وإن كانت الثلاثة جزءاً من العشرة.

السابقالتالي
2 3