الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ ٱلْفَٰسِقِينَ }

القراءة: يستحيي بيائين وروي عن ابن كثير يستحي بياء واحدة ووجه هذه القراءة أنه استثقل اجتماع اليائين فحذف إحداهما وهي لغة بني تميم. اللغة: الاستحياء من الحياء ونقيضه القِحَة والضرب يقع على جميع الأعمال إلا قليلاً يقال ضرب في التجارة وضرب في الأرض وضرب في سبيل الله وضرب بيده إلى كذا وضرب فلان على يد فلان إذا أفسد عليه أمراً أخذ فيه وضرب الأمثال إنما هو جعلها لتسير في البلاد يقال ضربت القول مثلاً وأرسلته مثلاً وما أشبه ذلك والبعوض القِرقِس وهو صغار البق الواحدة بعوضة والمثل كالشبه والشبه قال كعب بن زهير:
كَانَتْ مَوَاعِيدُ عُرقُوبٍ لَنَا مَثَلاً   وَمَا مَوَاعِيدُهُ إلاَّ الأبَاطِيلُ
والفسق والفسوق الترك لأمر الله. وقال الفراء: الفسق الخروج عن الطاعة تقول العرب: فسقت الرطبة عن قشرها إذا خرجت ولذلك سميت الفأرة فويسقة لخروجها من جُحرها. الإعراب: ما في قولـه: { ما بعوضة } بالنصب فيه وجوه أحدها: أن تكون ما مزيدة ومعناها التوكيد كما في قوله:فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ } [آل عمران: 159] وتقديره إن الله لا يستحي أن يضرب بعوضة مثلاً أو مثلاً بعوضة فيكون بعوضة مفعولاً ثانياً ليضرب وثانيها: أن يكون ما نكرة مفسرة ببعوضة كما يكون نكرة موصوفة في قولـه تعالى:هَـٰذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ } [ق: 23] فيكون تقديره لا يستحي أن يضرب مثلاً شيئاً من الأشياء بعوضة فتكون بعوضة بدلاً من شيئاً وثالثها: ما يحكى عن الفراء أن معناه ما بين بعوضة إلى ما فوقها كما يقال مطرنا ما زبالة إلى التعلبية وله عشرون ما ناقة فجملاً وهي أحسن الناس ما قرنا فقدما يعنون ما بين في جميع ذلك والاختيار عند البصريين الوجه الأول وإنما اختير هذا الوجه لأن ضَرَب ههنا بمعنى جعل فجاز أن يتعدى إلى مفعولين ويدخل على المبتدأ والخبر وفي التنزيل ما يدل عليه وهو قولـه تعالى:إِنَّمَا مَثَلُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ } [يونس: 24] فمثل الحياة مبتدأ وكماء خبره وفي موضع آخر واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء فدخل اضرب على المبتدأ والخبر فصار بمنزلة قولك ظننت زيداً كعمروا ويجوز في الإعراب الرفع في بعوضة وإن لم تجز القراءة به وفيه وجهان: أحدهما: أن يكون خبراً لمبتدإٍ محذوف في صلة ما فكأنه قال الذي هو بعوضة كقراءة من قرأ تماماً على الذي أحسنُ بالرفع وهذا عند سيبويه ضعيف وهو في الذي أقوى لأن الذي أطول وليس للذي مذهب غير الأسماء. والثاني: على الجواب كأنه لما قيل { إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما } قيل ما هو فقيل: { بعوضة } أي بعوضة كما تقول مررت برجل زيد أي هو زيد فتكون ما على هذا الوجه نكرة مجردة من الصفة والصلة وقولـه فأما الذين آمنوا لغة العرب جميعاً بالتشديد وكثير من بني تميم يقولون إيما فلان فيفعل كذا وأنشد بعضهم:

السابقالتالي
2 3 4 5