الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوْ كَٱلَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِـي هَـٰذِهِ ٱللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَٱنْظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَٱنْظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَٱنْظُرْ إِلَى ٱلعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

القراءة: قرأ أبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي لبثت بالإدغام والباقون بالإظهار، وقرأ أهل العراق غير أبي عمرو وعاصم لم يتسن واقتدِ بحذف الـهاء وصلا والباقون بإثبات الـهاء في الوصل ولم يختلفوا في إثباتها في الوقف وقرأ أهل الحجاز والبصرة نُنشرها بضم النون الأولى وبالراء وقرأ أهل الكوفة والشام نَنْشُزُها بالزاي، وروى أبان عن عاصم نَنشثرها بفتح النون وضم الشين وبالراء وقرأ حمزة والكسائي قال اعْلَمْ موصولة الألف ساكنة الميم والباقون أعلم مقطوعة الألف مرفوعة الميم. الحجة: قال أبو علي من أدغم لبثت أجرى التاء والثاء مجرى المثلين من حيث اتفق الحرفان في أنهما من طرف اللسان وأصول الثنايا واتفقا في الـهمس ومَنْ بَيَّنَ ولم يدغم فلتباين المخرجين لأن الطاء والدال والتاء من حيزّ والظاء والذال والثاء من حيز ومن قرأ لم يتسنه بالـهاء في الوصل فيحتمل أمرين أحدهما: أن يكون الـهاء لاماً من السنه فيمن قال شجرة سنهاءَ فيكون سكون الـهاء للجزم والآخر أن يكون من السنة أيضاً فيمن قال استوا وسنوات أو يكون من المسنون الذي يراد به المتغيّر كأنه لم يتسن ثم قلب على حد القلب في لم يَتَظَنَّ وحكي أن أبا عمرو الشيباني إلى هذا كان يذهب في هذا الحرف فالـهاء في يستنه على هذين القولين يكون للوقف فينبغي أن يلحق في الوقف ويسقط في الدرج وأما قولـه اقتده فيجوز أن يكون الـهاء كناية عن المصدر ولا يكون التي للوقف ولكن لما ذكر الفعل دلّ على مصدره فأضمره كما أضمر في وقولـهولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضلـه هو خيراً لـهم } [آل عمران: 180] وقال الشاعر:
غَدا سُرَاقَــةُ لِلْقُرآنِ يَدْرُسُـــهُ   وَالمَرْءُ عِنْد الرْشى إِنْ يَلْقَها ذِئْبُ
فالـهاء في يدرسه للمصدر لا يجوز أن يكون للمفعول لأن الفعل قد تعدى إلى المفعول باللام فلا يجوز أن يتعدى إليه مرة ثانية وكذلك قولـه فبهديهم اقتده يكون اقتد الاقتداء فيضمر لدلالة الفعل عليه ومن قرأ كيف نُنشرها } فمعناه كيف نحييها يقال انشر الله الميت فنشر وقد وصفت العظام بالإحياء قال تعالى { من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة } وكذلك في قولـه ننشرها ومن قرأ نَنْشُزها بالزاء فالنشر الارتفاع قال أبو الحسن: نشزوا نشزته فتقدير ننشزها نرفع بعضها إلى بعض للإحياء ومن هذا النشوز من المرأة أن تنبو عن الزوج في العِشرة فلا تلائمه ومن قرأ قال أعلم على لفظ الخبر فلأنه لما شاهد من إحياء الله وبعثه إياه بعد وفاته ما شاهد أخبر تَبَيَّنَهُ وتيقَّنه أي أَعْلَمُ هذا الضرب من العلم الذي لم أكن علمته قيل ومن قال اعْلمَ على لفظ الأمر فالمعنى يؤول إلى الخبر وذلك أنه لما تبيّن لـه ما تبين من الأمر الذي لا مجال للشبهة عليه نزّل نفسه منزلة غيره فخاطبها كما يخاطب سواها كقول الأعشى.

السابقالتالي
2 3 4