الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَوْلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَاتِ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

اللغة: الولي من الوالي وهو القرب من غير فصل وهو الذي يكون أولى بالغير من غيره وأحق بتدبيره ومنه الوالي لأنه يلي القوم بالتدبير وبالأمر والنهي ومنه المولى من فوق لأنه يلي أمر العبد بسد الخلة وما به إليه الحاجة ومنه المولى من أسفل لأنه يلي أمر المالك بالطاعة ومنه المولى لابن العم لأنه يلي أمره بالنصرة لتلك القرابة ومنه ولي اليتيم لأنه يلي أمر مالـه بالحفظ لـه والقيام عليه والولي في الدين وغيره لأنه يلي أمره بالنصرة والمعونة كما توجبه الحكمة والمعاقدة فجميع هذه المواضع الأولى والأحق ملحوظ فيها وَوَّلى عن الشيء إذا أدبر عنه لأنه زال عن أن يليه بوجهه واستولى على الشيء إذا احتوى عليه لأنه وليه بالقهر والئه تعالى ولي المؤمنين على ثلاثة أوجه: أحدها: إنه يتولاهم بالمعونة على إقامة الحجة والبرهان لـهم في هدايتهم كقولـهوالذين اهتدوا زادهم الله هدى } [محمد: 17] وثانيها: أنه وليهم في نصرهم على عدوهم وإظهار دينهم على دين مخالفيهم. وثالثها: أنه وليهم يتولاهم بالمثوبة على الطاعة والمجازاة على الأعمال الصالحة. المعنى: لمّا ذكر سبحانه المؤمن والكافر بَيّن ولي كل واحد منهما فقال { الله ولي الذين آمنوا } أي نصيرهم ومعينهم في كل ما بهم إليه الحاجة وما فيه لـهم الصلاح من أمور دينهم ودنياهم وآخرتهم { يخرجهم من الظلمات إلى النور } أي من ظلمات الضلالة والكفر إلى نور الـهدى والإيمان لأن الضلال والكفر في المنع من إدراك الحق كالظلمة في المنع من إدراك المبصرات ووجه إخراج الله تعالى المؤمنين من ظلمات الكفر والضلال إلى نور الإيمان والطاعة هو أنه هداهم إليه ونصب الأدلة لـهم عليه ورَغبهم فيه وفعل بهم من الألطاف ما يقوي به دواعيهم إلى فعلـه لأنا قد علمنا أنه لولا هذه الأمور لم يخرجوا من الكفر إلى الإيمان فصح إضافة الإخراج إليه تعالى لكون هذه الأمور التي عَدَّدناها من جهة الله تعالى كما يصح من أحدنا إذا أشار إلى غيره بدخول بلد من البلدان ورغبه فيه وعرفه ما لـه فيه من الصلاح أن يقول أنا أدخلت فلاناً البلد الفلاني وأنا أخرجته من كذا وكذا { والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت } أي متولي أمورهم وأنصارهم الطاغوت والطاغوت ها هنا واحد أريد به الجميع وهذا جائز في اللغة إذا كان في الكلام دليل على الجماعة قال الشاعر:
بِهَا جِيَفُ الحْسَرْى فَأَمّا عِظامُها   فَبِيضٌ وَأمَّا جِلْدُها فَصَلِيبُ
فجلدها في معنى جلودها وقال العباس بن مرداس:
فَقُلْنَا أسْلِمُوا وَأنا أخوكُــم   فَقَدْ بَرِئتْ مِنَ الإِحَنِ الصُدُورُ
والمراد به الشيطان عن ابن عباس وقيل رؤساء الضَلالة عن مقاتل { يخرجونهم من النور إلى الظلمات } أي من نور الإيمان والطاعة والـهدى إلى ظلمات الكفر والمعصية والضلالة وأضاف إخراجهم من النور إلى الظلمات إلى الطواغيت على ما تقدم ذكره من أنهم يغوونهم ويدعونهم إلى ذلك ويُزيّنون فعلـه لـهم فصح إضافته إليهم وهذا يدل على بطلان برهان قول من قال إن الإضافة الأولى تقتضي أن الإيمان من فعل الله تعالى بالمؤمن لأنه لو كان كذلك لاقتضت الإضافة الثانية إن الكفر من فعل الشيطان وعندهم لا فرق بين الأمرين في أنهما من فعلـه تعالى عن ذلك وأيضاً فلو كان الأمر على ما ظنوا لما صار الله تعالى ولياً للمؤمنين وناصراً لـهم على ما اقتضته الآية والإيمان من فعلـه لا من فعلـهم ولمّا كان خاذِلاً للكفار ومضيفاً لولايتهم إلى الطاغوت والكفر من فعلـه فيهم ولم يفصل بين الكافر والمؤمن وهو المتولي لفعل الأمرين فيهما ومثل هذا لا يخفى على منصف فإن قيل كيف يخرجونهم من النور وهم لم يدخلوا فيه قلنا قد ذكر فيه وجهان أحدهما: أن ذلك يجري مجرى قول القائل أخرجني والدي من ميراثه فَمْنعُه من الدخول فيه إخراج ومثلـه قولـه في قصة يوسف:

السابقالتالي
2