الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَٰرِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ ٱللَّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَٰهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ }

اللغة: الرؤية هنا بمعنى العلم ومعنى ألم تَرَ ألم تَعْلم وهذه الألف ألف التوقيف وتر متروكة الـهمزة وأصلـه ألم ترا من رأى يرأى مثل نأى ينأى إلا أنهم على اسقاط الـهمزة هنا للتخفيف. الإعراب: حذر الموت نصب لأنه مفعول لـه وجاز أن يكون نصبه على المصدر لأن خروجهم يدل على حذروا الموت حذراً. المعنى: لما ذكر قولـه يبيّن آياته للناس عقبه بذكر آية من آياته فقال { ألم تر } أي ألم تعلم يا محمد أو أيها السامع أو لم ينته علمك إلى خبر هؤلاء { الذين خرجوا من ديارهم } قيل هم من قوم بني إسرائيل وفرّوا من طاعون وقع بأرضهم عن الحسن، وقيل فرّوا من الجهاد وقد كتب عليهم عن الضحاك، ومقاتل، واحتجا بقولـه عقيب الآية وقاتلوا في سبيل الله وقيل هم قوم حزقيل وهو ثالث خلفاء بني إسرائيل بعد موسى وذلك أن القيم بأمر بني إسرائيل بعد موسى كان يوشع بن نون ثم كالب بن يوقنا ثم حزقيل وقد كان يقال لـه ابن العجوز وذلك أن أمه كانت عجوزا فسألت الله الولد وقد كبرت وعقمت فوهبه الله لـها، وقال الحسن: هو ذو الكفل وإنما سمي حزقيل ذا الكفل لأنه كفل سبعين نبيّاً نجاهم من القتل وقال لـهم اذهبوا فإني إن قتلت كان خيراً من أن تقتلوا جميعاً فلما جاء اليهود وسألوا حزقيل عن الأنبياء السبعين فقال إنهم ذهبوا ولا أدري أين هم ومنع الله ذا الكفل منهم. { وهم ألوف } أجمع أهل التفسير على أن المراد بألوف هنا كثرة العدد إلا ابن زيد فإنه قال معناه خرجوا مؤتاً في القلوب لم يخرجوا عن تباغض فجعلـه جمع ألف مثل قاعد وقعود وشاهد وشهود واختلف من قال المراد به العدد الكثير فقيل كانوا ثلاثة آلاف عن عطاء الخراساني، وقيل ثمانية آلاف عن مقاتل والكلبي، وقيل عشرة آلاف عن ابن روق، وقيل بضعة وثلاثين ألفاً عن السدي، وقيل أربعين ألفاً عن ابن عباس وابن جريج، وقيل سبعين ألفاً عن عطاء بن أبي رباح، وقيل كانوا عدداً كثيراً عن الضحاك. والذي يقضي به الظاهر أنهم كانوا أكثر من عشرة آلاف لأن بناء فعول للكثرة وهو ما زاد على العشرة وما نقص عنها يقال فيه عشرة آلاف ولا يقال عشرة ألوف. { حذر الموت } أي من خوف الموت { فقال لـهم الله موتوا ثم أحياهم } قيل في معناه قولان أحدهما: إن معناه أماتهم الله كما يقال قالت السماء فهطلت معناه فهطلت السماء وقلت برأسي كذا وقلت بيدي كذا ومعناه برأسي وبيدي وذلك لما كان القول في الأكثر استفتاحاً للفعل كالقول الذي هو تسمية وما جرى مجراه مما كان يستفتح به الفعل صار معنى قالت السماء فهطلت أي استفتحت بالـهطلان كذلك معناه ها هنا فاستفتح الله بإماتتهم والثاني: إن معناه أماتهم بقول سمعته الملائكة لضرب من العبرة ثم أحياهم الله بدعاء نبيّهم حزقيل عن ابن عباس وقيل إنه شمعون من أنبياء إسرائيل { إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون } لما ذكر النعمة عليهم بما أراهم من الآية العظيمة في أنفسهم ليلتزموا سبيل الـهدى ويجتنبوا طريق الردى ذكر بعده ما لـه عليهم من الإنعام والإحسان مع ما هم عليه من الكفران وهذه الآية حجة على من أنكر عذاب القبر والرجعة معاً لأن إحياء أولئك مثل إحياء هؤلاء الذين أحياهم الله للاعتبار.

السابقالتالي
2