الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى ٱلْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى ٱلْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِٱلْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ }

القراءة: قرأ حمزة والكسائي تُماسوهن بضم التاء وبألف في موضعين ها هنا وفي الأَحزاب وقرأ الباقون تمسوهن وقرأ أبو جعفر وأهل الكوفة إلا أبا بكر وابن ذكوان قَدَره بفتح الدال في الموضعين والباقون بإسكانها. الحجة: حجة من قرأ تمسوهن قولـهولم يمسسني بشر } [آل عمران: 47] و [مريم: 20]ولم يطمثهن } [الرحمن: 56، 74] { وانكحوهن } والنكاح عبارة عن الوطء قال جرير:
التّارِكُونَ عَلى طُهْرٍ نِساءَهُم   وَالنّاكِحُونَ بِشطَّيْ دِجْلَةَ الْبَقَرا
وحجة من قرأ ولا تماسوهن أن فاعل وفعل قد يراد بكل واحد منهما ما يراد بالآخر وذلك نحو طارقتُ النعلَ وعاقَبت اللصَ وقال أبو الحسن يقال هو القَدْر والقَدَر وهم يختصمون في القَدْر والقَدَر قال الشاعر:
ألا يالقوم للنوائب والقدر   
وخذ منه بقَدْر كذا وقَدَر كذا لغتان وفي كتاب الله:فسالت أودية بقدرها } [الرعد: 17] وقدرهاوعلى الموسع قَدَره } [البقرة: 236] وقَدْرهوما قدروا الله حق قَدْره } [الأنعام: 91] ولو حرّكت كان جائزا وكذلكإنا كل شيء خلقناه بقدر } [القمر: 49] ولو خففت كان جائزاً إلا أن رؤوس الآي كلـها متحركة فيلزم الفتح لأَن ما قبلـها مفتوح. اللغة: المُوسِع الذي يكون في سعة لغِناه والمقتر الذي يكون في ضيق لفقره يقال أوسع الرجل إذا كثر مالـه واتسعت حالـه واقتر إذا افتقر وقترت الشيء أقتره وقَتّرته تقتيراً إذا ضَيَّقت الإِنفاق منه والقُتار دخان الشحم على النار لقلته بالإِضافة إلى بقيته والقَتَر الغبار والقَتير مسامير الدرع لقلتها وصغرها والقتير ابتداء الشيب لقلته ويجوز أن يكون مشبهاً بالدخان أول ما يرتفع والقُتْرة ناموس الصائد لأنها كالقُتار وأصل الباب: الإِقلال وقدرت الشيء أقدِرُه قَدْراً وقدرت على الشيء أقدِرُ عليه قدرة وقدوراً. الإِعراب: ما لم تمسوهن موصول وصلة في موضع نصب تقديره مدة ترك المس فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه والعامل في الظرف طلّق وجواب الشرط محذوف تقديره إن طلقتم النساء فلا جناح عليكم متاعاً نصب على أحد وجهين إما أن يكون حالاً من قدره والعامل فيه الظرف أي: ممتّعاً متاعاً وإما على المصدر أي متعوهن متاعاً وحقاً وإما أن يكون على التأكيد بجملة الخبر فكأنه قال أخبركم به حقاً أو حقه حقاً أو حق ذلك عليهم حقاً كأنه إيجإباً على المحسنين. المعنى: ثمَّ بيَّن سبحانه حكم الطلاق قبل الفرض والمسيس فقال { لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن } هذا إباحة للطلاق قبل المسيس وفرض المهر فرفع الإِثم عن الطلاق قبل الدخول لئلا يتوهم أحد أن الطلاق في هذه الحالة محظور، والمس كناية عن الوطء والمفروض صداقها داخلة في دلالة الآية وإن لم يذكر لأن التقدير ما لم تمسوهن ممن قد فرضتم لـهن { أو } لم { تفرضوا لـهن فريضة } لأن أو تُنبىء عن ذلك إذ لو كان على الجمع لكان بالواو والمراد بالفريضة الصداق بلا خلاف لأنه يجب بالعقد على المرأة فهو فرض لوجوبه بالعقد ومعناه أو لم تقدروا لـهن مهراً مقدراً وإنما خصَّ التي لم يدخل بها الذكر في رفع الجناح دون المدخول بها وإن كان حكمهما واحداً لأمرين.

السابقالتالي
2