الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ وَعلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى ٱلْوَارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

القراءة: قرأ أهل البصرة وابن كثير وقتيبة عن الكسائي لا تضار بالرفع وتشديد الراء، وقرأ أبو جعفر وحده بتخفيف الراء وسكونها والباقون بتشديدها وفتحها وقرأ ابن كثير وحده ما أتيتم مقصورة الألف والباقون ما أُتيتم وكذلك في الروم. الحجة: من رفع فلأن قبلـه لا تكلف فاتبعه ما قبلـه ليكون أحسن لتشابه اللفظ فإن قلت إن ذلك خبر وهذا أمر قيل إن الأمر قد يجيء على لفظ الخبر في التنزيل ألا ترى إلى قولـه { والمطلقات يتربصن بأنفسهن } ويؤكد ذلك أن ما بعده على لفظ الخبر وهو قولـه: { وعلى الوارث مثل ذلك } والمعنى ينبغي ذلك فلمّا وقع موقعه صار في لفظه ومن فتح جعلـه أمراً وفتح الراء ليكون حركته موافقة لما قبلـها وهو الف وأمّا قراءة أبي جعفر لا تضار فينبغي أن يكون أراد لا تضار كما روي في الشواذ عن أبان عن عاصم إلا أنه حذف إحدى الرائين تخفيفاً كما قالوا أحست في أحسست وظلت ومست في ظللت ومسست ومن قرأ آتيتم فالمراد إيتاء المهر كقولـهوآتيتم إحداهن قنطاراً } [النساء: 20] وقولـهإذا آتيتموهن أجورهن } [المائدة: 5] وأما قول ابن كثير فتقديره إذا سلمتم ما أتيتم نقده أو أتيتم سوقه فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه ثم حذف الـهاء من الصلة فكأنه أتيت نقدَ ألفٍ أي بذلتُه كما يقول أتيت جميلاً أي فعلته ويؤيّده قول زهير:
فَما يَكُ مِنْ خَيْرٍ أتَوهُ فَإِنّما   تَوارَثَهُ آبـــاءُ آبائِهِـــمْ قَبْلُ
فكما تقول أتيت خيراً فكذلك تقول أتيت نَقْدَ ألفٍ وقد وقع أتيت موضع آتيت ويجوزان يكون ما في الآية مصدراً فيكون التقدير إذا سلمتم الإتيان والإتيان المأتى مما يبذل بسوق أو نقد كقولـك ضَرْبُ الأمير أي مضروبه. اللغة: الرضع مصّ الثدي بشرب اللبن منه يقال رَضِعَ وَرَضَعَ والمصدر الرَضْع والرَّضِعَ والرِّضَّاع والرِضَّاعة ولئيم راضع يرضع لبن ناقته مِن لؤْمه لئلا يسمع الضيف صوت الشُخْب وأرضعت المرأة فهي مرضع وقولـهم مرضع بغير هاء ذات رضاع والحول السنة مأخوذ من الانقلاب في قولك حال الشيء عما كان عليه يحول ومنه الاستحالة في الكلام لانقلابه عن الصواب وقيل أخذ من الانتقال من قولك تحول عن المكان والكسوة مصدر كسوته ثوباً أي ألبسته واكتسى أي لبس والكسوة اللباس والتكليف الإلزام الشاق وأصلـه من الكَلَف وهو ظهور الأثر لأنه يُلزمه ما يظهر فيه أثره وتَكلَّف أي تَحمَّل والكَلَف بالشيء الإيلاع به والوسع الطاقة مأخوذ من سعة المسلك إلى الغرض فيمكن لذلك فلو ضاق لأعجز عنه والسعة فيه القدرة فلذلك قيل الوسع بمعنى الطاقة والفصال الفطام لانفصال المولود عن الاغتذاء بثدي أمه إلى غيره من الأقوات وفصيلة الرجل بنو أبيه لانفصالـهم من أصل واحد والفصل الفرق والتشاور مأخوذ من الشور وهو اجتناء العسل تقول شُرْتُ العسلَ أشوره شوراً إذا اجتنيته من مكانه والمَشُورة استخراج الرأي من المستشار لأنها تجتنى منه وأشار إليه إشارة أومى إليه والمُشيرة الأصبع التي تسمّى السبابة لأنه يشار بها والشارة الـهيئة واللباس الحَسَن لأنه مما يشار إليه لحسنه والتشوير استخراج سير الدابة كالاجتناء.

السابقالتالي
2 3