الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَٰنٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّآ آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا ٱفْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ }

القراءة: قرأ أبو جعفر وحمزة إلا أن يُخافا بضم الياء والباقون بفتحها. الحجة: خاف فعل يتعدى على مفعول واحد وذلك المفعول يكون أن وصلتها نحو قولـه تخافون أن يتخطفكم الناس ويكون غيرها نحو قولـه تخافونهم فوجه قراءة حمزة الابنُ يخافا أنه لما بنى الفعل للمفعول به أسند الفعل إليه فلم يبق شيء يتعدى إليه فأمّا أنْ مِن قولـه أن لا يقيما فإن الفعل يتعدى إليه بالجار كما تعدى بالجار في قولـه ولو خافك اللَّهُ عَلَيه حَرَّمه وموضع أن في الآية جر بالجار المقدر على قول الخليل والكسائي ونصب في قول سيبويه وأصحابه إلا أنه لما حذف الجار وصل الفعل إلى المفعول الثاني مثل استغفر الله ذنباً وأمرتك الخير فقراءته مستقيمة على ما رأيت فإن قال قائل لو كان يخافا كما قرأ لكان ينبغي أن يكون فإن خيفا قيل لا يلزمه هذا السؤال لمن خالفه في القراءة لأنهم قد قرأوا إلاّ أن يخافا ولم يقولوا فإن خافا وليس يلزم هذا السؤال جميعهم لأمرين: أحدهما: أنه انصرف من الغيبة إلى الخطاب كما قال { الحمد للـه } ثم قال { إياك نعبد }وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون } [الروم: 39] وهذا النحو كثير في التنزيل وغيره والآخر: أن يكون الخطاب في قولـه فإن خفتم مصروفاً إلى الولاة والفقهاء الذين يقومون بأمور الكافة وجاز أن يكون الخطاب للكثرة فيمن جعلـه انصرافاً من الغيبة إلى الخطاب لأن ضمير الاثنين في يخافا ليس يراد به اثنان مخصوصان إنما يراد به أن كل مَن كان هذا شأنه فهذا حكمه فأما من قرأ يخافا بفتح الياء فالمعنى أنه إذا خاف كل واحد من الزوج والمرأة أن لا يقيما حدود الله حلّ الافتداء. اللغة: المرة والمرتان كالكرة والكرتين وأصل المرة المرور خلاف الوقوف، والمِرّة شدة الفتل لاستمراره على الأحكام والإمساك خلاف الإطلاق وما بفلان مُسْكة وتماسك إذا لم يكن فيه خير، والممسك البخيل والمَسْك الإهاب لأنه يمسك البدن باحتوائه عليه، والمَسَك السوار لاستمساكه في اليد والتسريح مأخوذ من السرح وهو الإطلاق وسَرَح الماشية في المرعى سرحاً إذا أطلقها ترعى وسَرَحت الماشية انطلقت في المرعى والسِرْحان الذئب لاتباعه السرح والسَرْحة الشجرة المرتفعة لانطلاقها في جهة الطول والمِسْرَح المَشط لإطلاق الشعر به والسِرياح الجراد لانطلاقه في البلاد وأن يخافا معناه أن يظنا قال الشاعر:
أتانِي كلامٌ عَنْ نُصَيْبٍ يَقُولُـهُ   وَما خِفْتُ يا سَلاّم أَنَّكَ عائِبِي
يعني ما ظننتُ وأنشد الفراء:
إذا مِتُّ فَادْفَنّي إلى جَنْبِ كَرْمَةٍ   تُرَّوي عِظامِي بَعْدَ مَوْتِي عُروقُها
وَلا تَدْفِنَنِّي فِي الفَـــلاةِ فَإِنَنِّـــي   أخــافُ إِذَا ما مِـتُّ أنْ لا أَذُوقُهـــا
وقال أبو عبيدة إلا أن يخافا معناه يوقنا فإن خفتم ها هنا معناه إن أيقنتم.

السابقالتالي
2 3