الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِيۤ أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوۤاْ إِصْلاَحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِي عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

اللغة: القروء جمع قرء وجمعه القليل أقرء والكثير أقراء وقروء وصار بناء الكثير فيه أغلب في الاستعمال يقال ثلاثة قروء مثل ثلاثة شسوع استغنى ببناء الكثير عن بناء القليل ووجه آخر وهو أنه لما كانت كل مطلقة يلزمها هذا دخلـه معنى الكثرة فأتى ببناء الكثرة للإشعار بذلك فالقروء كثيرة إلا أنها ثلاثة في ثلاثة في القسمة وهذا الحرف من الأضداد وأصلـه في اللغة يحتمل وجهين أحدهما: الاجتماع ومنه قرأت القرآن لاجتماع حروفه وما قرأت الناقة سلاّ قطّ أي لم يجتمع رحمها على ولد قطّ قال عمرو بن كلثوم:
ذِراعَيْ عَيْطَلِ أَدْمَاءَ بِكرٍ   هِجانِ اللَّوْنِ لَمْ تَقْرَأ جَنينَا
فعلى هذا يقال أقرأت المرأة فهي مقرىء إذا حاضت وأنشد:
لـه قروء كقروء الحائضِ   
وذلك لاجتماع الدم في الرحم ويجيء على هذا أن يكون القرء الطهر لاجتماع الدم في جملة البدن والوجه الثاني: إن أصل القرء الوقت الجاري في الفعل على عادة وهو يصلح للحيض والطهر يقال هذا قارئ الرياح أي وقت هبوبها قال الشاعر:
شَنَئْتُ العَقْرَ عَقْرَ بني شُلَيْلٍ   إِذَا هَبَّتْ لِقارِيَهـــا الرِّيــاحُ
أي لوقت هبوبها وشدة بردها والذي يدلّ على أن القرء الطهر قول الأعشى:
وَفي كُلِّ عام أَنْتَ جَاشِمُ غَـزْوَةٍ   تَشُــدُّ لأَقْصَــاها عَزِيْــمَ عَزائِكَا
مُوَرّثَةٍ مالاً وَفي الأَرْضِ رِفْعَةً   لِما ضاعَ فيها مِنْ قُرُوءِ نِسائِكا
فالذي ضاع ها هنا الأطهار لا الحيض. والبعولة جمع بعل ويقال بعلَ يبعُل بعولة وهو بعل وسمي الزوج بعلاً لأنه عال على المرأة بملكه لزوجيتها وقولـهأتدعون بعلاً } [الصافات: 125] أي ربّا وقيل أنه صنم والبعل النخل يشرب بعروقه لأنه مستعل على شربه، وبعل الرجل بأمره إذا ضاق به ذراعاً لأنه علاه منه ما ضاق به ذرعه وبعل الرجل بطر لأنه استعلى تكبراً، وامرأة بعلة لا تحسن لبس الثياب لأن الحيرة تستعلي عليها فتدهشها، والرجال جمع رجل يقال رجل بَيِّنُ الرجلة أي القوة وهو أرجَلـهما أي أقواهما، وفرس رَجيل قويّ على المشي، وسميت الرجل رجلاً لقوتها على المشي، ورِجْل من جراد أي قطعة منه تشبيهاً بالرجل لأنها قطعة من الجملة، والراجل الذي يمشي على رجلـه، وارتجل الكلام ارتجالاً لأنه قوي عليه من غير ركوب فكرة وترجل النهار لأنه قوي ضياؤه بنزول الشمس إلى الأرض ورجّل شعره إذا طولـه وأصل الباب القوة والدرجة المنزلة. الإعراب: { إن كن يؤمن بالله } جواب الشرط محذوف وتقديره إن كن يؤمن بالله لا يكتمن وكذلك جواب الشرط من قولـه تعالى { إن أرادوا إصلاحا } محذوف وتقديره إن أرادوا إصلاحاً فبعولتهن أحقّ بردّهن مثل الذي عليهن إضافة مثل غير حقيقية لأن الذي عليهن مفعولـه. المعنى: ثم بيّن سبحانه حكم المطلقات والطلاق فقال { والمطلقات } أي المخليات عن حبال الأزواج بالطلاق وإنما يعني المطلقات المدخول بهنّ من ذوات الحيض غير الحوامل لأن في الآية بيان عدتهن { يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } معناه ينتظرن بأنفسهن انقضاء ثلاثة قروء فلا يتزوجن لفظه خبر ومعناه أمر والمراد بالقروء الأطهار عندنا، وبه قال زيد بن ثابت وعائشة وابن عمر ومالك والشافعي وأهل المدينة، قال ابن شهاب: ما رأيت أحداً من أهل بلدنا ألا وهو يقول الأقراء الأَطهار إلا سعيد بن المسيب والمروي عن ابن عباس وابن مسعود والحسن ومجاهد ورووه أيضاً عن عليّ أن القرء الحيض، والمراد بثلاثة قروء ثلاثة حيض وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه واستشهدوا بقولـه عليه السلام للمستحاضة:

السابقالتالي
2 3 4