الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

الإعراب: أنّى في محل النصب لأنه ظرف مكان إذا كان بمعنى حيث أو أين أو ظرف زمان إذا كان بمعنى متى والعامل فيه فأتوا وشئتم جملة فعلية في موضع الجر بإضافة الظرف إليها وإذا كان أنَّى بمعنى كيف فهو في محل النصب على المصدر ولا محلّ لشئتم وتقديره فأتوا حرثَكم أيَّ نوع شئتم. النزول: قيل نزلت ردّاً على اليهود حيث قالوا إن الرجل إذا أتى المرأة من خلفها في قبلـها خرج الولد أحول فكَذَّبهم الله عن ابن عباس وجابر وقيل انكرتِ اليهودُ إتيانَ المرأة قائمةً وباركةً فأنزل الله إباحته عن الحسن. المعنى: لمَّا بيَّن تعالى أحوال النساء في الطهر والحيض عَقَّبَ ذلك بقولـه: { نساؤكم حرث لكم } وفيه وجهان - أحدهما - أن معناه مزدرع لكم ومحترث لكم عن ابن عباس والسدي - والثاني - أن معناه ذوات حرث لكم منهن تحرثون الولد واللذة فحذف المضاف وهذا في المعنى مثل الأول عن الزجاج وقال أبو عبيدة كنّى بالحرث عن الجماع والثالث معناه كحرث لكم فحذف كاف التشبيه كما قال الشاعر:
النَشْرُ مِسْكٌ وَالوُجُوهُ دَنا   نِيرٌ وَاطْرافُ الأكُفِّ عَنَمْ
وقد سمى العرب النساء حرثاً قال المفضل بن سلمة أنشدني أبي:
إذا أكَل الجَرادُ حُروثَ قومٍ   فَحَرثـــي هَمُّـــه أكْلُ الجَرادِ
يريد امرأتي { فأْتوا حرثكم } أي موضع حرثكم يعني نساءكم { أنّى شئتم } معناه من أين شئتم عن قتادة والربيع، قيل كيف شئتم عن مجاهد، وقيل متى شئتم عن الضحاك، وهذا خطأ عند أهل اللغة لأن أنّى لا يكون إلا بمعنى مِنْ أي كما قال أنّى لكِ هذا وقيل معناه مِن أيّ وجه واستشهد بقول الكميت:
أنّى ومَن أينَ آبَك الطَرَبُ   مِنْ حَيثُ لا صَبْوةٌ ولا رَيَبُ
وليس في البيت شاهد لـهم لأنه لا يجوز أن يكون أتى به لاختلاف اللفظين كما يقولون متى كان هذا وأيّ وقت كان ويجوز أن يكون بمعنى كيف واستدل مالك بقولـه أَنَّى شئتم على جواز إتيان المرأة في دبرها ورواه عن نافع عن ابن عمر وحكاه زيد بن أسلم عن محمد بن المنكدر وبه قال كثير من أصحابنا وخالف في ذلك جميع الفقهاء وقالوا إن الحرث لا يكون إلا بحيث النسل فيجب أن يكون الوطء حيث يكون النسل فأُجيبوا عن ذلك بأن النساء وإن كنّ لنا حرثاً فقد أبيح لنا وطؤهن بلا خلاف في غير موضع الحرث كالوطء فيما دون الفرج وما أشبهه وقولـه { وقدموا لأنفسكم } معناه قدموا الأعمال الصالحة التي أمرتم بها ورغبتم فيها لتكون ذخراً لكم عند الله ووجه اتصالـه بما قبلـه أنه لما تقدم الأمر بعدة أشياء قال بعدها وقدّموا لأنفسكم بالطاعة فيما أمرتم به.

السابقالتالي
2