الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهِّرِينَ }

القراءة: قرأ أهل الكوفة غير حفص حتى يطَّهَّرْنَ بتشديد الطاء والـهاء والباقون بالتخفيف. الحجة: من قرأ يطهرن فإنه طُهرت المَرأة وطهَرت طهراً وطهَرت بالفتح أقيس لأنه خلاف طمثت فينبغي أن يكون على بنائه وأيضاً فقولـهم طاهر يدل على أنه مثل قعد فهو قاعد ومن قرى يَطَّهَّرْنَ فإنه يتطهرن فأدغم التاء في الطاء. اللغة: حاضت المرأة تحيض حيضاً ومحيضاً ومحاضاً والمصدر من هذا الباب المَفْعِل والمَفْعَل جائز فيه قال الراعي:
بُنِيَتْ مَرافِقُهنَّ فَوْقَ مَزِلّةٍ   لا يَسْتَطِيعُ بِهَا القُرادُ مَقِيلا
أي قيلولة وامرأة حائض ونساء حُيَّض والاعتزال: التنحي عن الشيء وكل شيء نَحَّيته عن موضع فقد عزلته عنه ومنه عزل الوالي وأنت عن هذا بِمَعْزِل أي مُتْنحي، وعَزْلاءُ المَزادِةِ مخرج الماء من إحدى جانبيها والجمع عَزالٍ والمِعْزال من الناس الذي لا ينزل مع القوم في السفر لكنه ينزل ناحية والطهر خلاف الدَنَس والطهور يكون اسماً ويكون صفة فإذا كان اسماً كان على ضربين أحدهما: أن يكون مصدراً كما حكاه سيبويه تطهرت طَهوراً حسناً وتوضأت وضوءاً والآخر: أن يكون اسماً ليس بمصدر كما جاء في قولـه " طهور إناء أحدكم " كذا وهو اسم لما يطهر كالفَطور والوَجُور والسَعوط والسَحور وأما كونه صفة في قولـه { وأنزلنا من السماء ماء طهوراً } فهذا كالرسول والعجوز ونحو ذلك من الصفات التي جاءت على فَعول ولا دلالة فيه على التكرير لما لم يكن متعديا نحو ضروب ألا ترى أنّ فعلـه غير متعد كما يتعدى ضربت ومن الصفة قولـه هو الطهور ماؤه لأنه ارتفع به الماء كما يرتفع الاسم بالصفة المتقدمة. الإعراب: من حيث جار ومجرور ولكن حيث مبني لا يظهر فيه الإعراب وإنما بني لمشابهة الحرف لأنه لا يفيد إلا مع غيره كالحرف ومِن يتعلق بقول فَأتوهُنَّ مِن حيثُ الله جملة في محل الجر بإضافة حيث إليه. النزول: قيل كانوا في الجاهلية يتجنبون مواكلة الحائض ومشاربتها ومجالستها فسألوا عن ذلك فنزلت الآية عن الحسن وقتادة والربيع، وقيل كانوا يستجيزون إتيان النساء في أدبارهن أيام الحيض فلما سألوا عنه بين لـهم تحريمه عن مجاهد والأول عندنا أقوى. المعنى: ثمَ بيَّن سبحانه شريعة أخرى فقال { ويسألونك } يا محمد والسائل أبو الدحداح فيما قيل { عن المحيض } أي عن الحيض وأحوالـه { قل } يا محمد { هو أذى } معناه قذر ونجس عن قتادة والسدي وقيل دم عن مجاهد، وقيل هو أذى لـهن وعليهن لما فيه من المشقة قالـه القاضي { فاعتزلوا النساء في المحيض } أي اجتنبوا مجامعتهن في الفرج عن ابن عباس وعائشة والحسن وقتادة ومجاهد وهو قول محمد بن الحسن، ويوافق مذهبنا أنه لا يحرم منها غير موضع الدم فقط وقيل يحرم ما دون الإزار ويحل ما فوقه عن شريح وسعيد بن المسيب وهو قول أبي حنيفة والشافعي { ولا تقربوهن } بالجماع أو ما دون الإزار على الخلاف فيه { حتى يطهرن } بالتخفيف معناه حتى ينقطع الدم عنهن وبالتشديد معناه يغتسلن عن الحسن ويتوضأن عن مجاهد وطاوس وهو مذهبنا.

السابقالتالي
2