الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }

اللغة: الخلق الفعل على تقدير وخلق السموات فعلها على تقدير ما تدعو إليه الحكمة من غير زيادة ونقصان والخلق الطبع والخليقة الطبيعة والخَلاق النصيب. الإعراب: يا حرف النداء وأي اسم مبهم يقع على أجناس كثيرة إنما يتم بأن يوصف وصفته تكون باسم الجنس لأنه لما كان لا يتم إلا بصفة وهي لفظة دالة على ما دلّ أي عليه مخصصة له وكان التخصيص في الإشارة يقع بالجنس ثم بالوصف وصف بأسماء الأجناس كالناس في قولـه: { يا أيها الناس } فأي منادي مفرد معرفة مبني لأنه وقع موقع حرف الخطاب وهو الكاف وإنما بني على الحركة مع أن الأصل في البناء السكون ليعلم أنه ليس بعريق في البناء والبناء عارض فيه وإنما حرّك بالضم لأنه كان في أصله التنوين فلما سقط التنوين في البناء أشبه قبل وبعد الذي قطع عنه الغاية فارتفع وقد ذكر فيه وجوه أخرى توجد في مظانها والناس مرفوع لأنه صفة لأي فتبعه على حركة لفظه ولا يجوز هنا النصب وإن كانت الأسماء المناديات المفردة المعرفة يجوز في صفاتها النصب والرفع لأن هنا الصفة هو المنادي في الحقيقة وأي وصلة إليه ويدل على ذلك لزوم ها وهو حرف التنبيه قبل الناس ونباتها وامتناعهم من حذفها فصار ذلك كالإيذان باستئناف نداء والعلم لأن لا يجوز الاقتصار على المنادي قبله كما جاز في سائر المناديات. وأجاز المازني في يا أيها الرجل النصب وذلك فاسد لما ذكرناه ولأنه لا مجاز لذلك في كلام العرب ولم يرو عنها غير الرفع والذين من قبلكم في موضع نصب لأنه عطف على الكاف والميم في قولـه خلقكم وهو مفعول به ومن قبلكم صلة الذين ولعل حرف ناصب من أخوات إنّ وقد ذكرنا القول في مشابهته الفعل وعمله النصب والرفع فيما تقدم وكذلك حكم لعل وشبه بالفعل أظهر لأن معناه الترجي وكم في موضع نصب بكونه اسم لعل وتتقون جملة في موضع الرفع بأنه خبره. المعنى: هذا الخطاب متوجه إلى جميع الناس مؤمنهم وكافرهم إلا من ليس بمكلف من الأطفال والمجانين وروي عن ابن عباس والحسن أن ما في القرآن من: { يا أيها الناس } فإنه نزل بمكة وما فيه من يا أيها الذين آمنوا فإنه نزل بالمدينة: { اعبدوا ربكم } أي تقربوا إليه بفعل العبادة وعن ابن عباس أنه قال معناه وَحِّدوه وقولـه: { الذي خلقكم } أي أوجدكم بعد أن لم تكونوا موجودين وأوجد من تقدم زمانكم من الخلائق والبشر بيّن سبحانه نعمه عليهم وعلى آبائهم لأن نعمه عليهم لا تتم إلا بنعمه على آبائهم: { لعلّكم تتقون } أي خلقكم لتتقوه وتعبدوه كقولـه تعالى:

السابقالتالي
2