الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ أُولَـٰئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ }

اللغة: النصيب الحَظّ وجمعه أنصباء وأنصبة وحدّ النصيب الجزء الذي يختص به البعض من خير أو شر والكسب الفعل الذي يجتلب به نفع أو يدفع به ضرر والسريع من العمل هو القصير المدة يقال سرع سرعة وسرعا فهو سريع وأقبل فلان في سرعان قومه أي في أوائلـهم المسرعين والحساب مصدر كالمحاسبة. المعنى: { أولئك لـهم نصيب مما كسبوا } أي حظّ من كسبهم باستحقاقهم الثواب عليه { والله سريع الحساب } ذكر فيه وجوه أحدها: أن معناه سريع المجازاة للعباد على أعمالـهم وأن وقت الجزاء قريب ويجري مجراه قولـهوما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب } [النحل: 77] وعبَّر عن الجزاء بالحساب لأن الجزاء كفاء للعمل وبمقداره فهو حساب لـه يقال احسبني الشيء كفاني وثانيها: أن يكون المراد به أنه يحاسب أهل الموقف في أوقات يسيرة لا يشغلـه حساب أحد عن حساب غيره كما لا يشغلـه شأن عن شأن وورد في الخبر أنه تعالى يحاسب الخلائق كلـهم في مقدار لمح البصر وروي بقدر حلب شاة وهذا أحد ما يدلّ على أنه ليس بجسم وأنه لا يحتاج في فعل الكلام إلى آلة لأنه لو كان كذلك لما جاز أن يخاطب اثنين في وقت واحد بمخاطبتين مختلفتين ولكان يشغلـه خطاب بعض الخلق عن خطاب غيره ولكانت مدة محاسبته للخلق على أعمالـهم طويلة وروي عن أمير المؤمنين ع أنه قال: معناه أنه يحاسب الخلق دفعة كما يرزقهم دفعة وثالثها: أن معناه أنه تعالى سريع القبول لدعاء هؤلاء والإِجابة لـهم من غير احتباس فيه وبحث عن المقدار الذي يستحقّه كل داع كما يحتبس المخلوقون للإِحصاء والاحتساب ويقرب منه ما روي عن ابن عباس أنه قال: يريد أنه لا حساب على هولاء إنما يعطون كتبهم بأيمانهم فيقال لـهم هذه سيئاتكم قد تجاوزت بها عنكم وهذه حسناتكم قد ضعّفتها لكم.