الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَّنَاسِكَكُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَآءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَآ آتِنَا فِي ٱلدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ }

اللغة: أصل القضاء فصل الأمر على إِحكام وقد يفصل بالفراغ منه كقضاء المناسك وقد يفصل بأن يعمل على تمام كقولـهفقضاهنّ سبع سماوات } [فصلت: 12] وقد يفصل بالإِخبار به على القطع كقولـهوقضينا إلى بني إسرائيل } [الإسراء: 4] وقد يفصل بالحكم كقضاء القاضي على وجه الإِلزام والخلاق النصيب من الخير وأصلـه التقدير فهو النصيب من الخير على وجه الاستحقاق وقيل إنّه من الخلق فهو نصيب مما يوجبه الخلق الكريم. الإِعراب: أشدّ في موضع جلاّ ولكنّه لا ينصرف لأنّه على وزن الفعل وهو صفة ويجوز أن يكون منصوباً على المصدر واذكروه أشد ذكراً وذكراً منصوب على التمييز في الآخرة الجار والمجرور يتعلق بما يتعلق به اللام في قولـه { لـه } ولـه في موضع خبر للمبتدأ الذي هو من خلاق فإِن من مزيدة والجار والمجرور في موضع رفع بالابتداء ويجوز أن يكون في الآخرة في موضع نصب على الحال والعامل فيه ما في لـه من الفعل. المعنى: { فإِذا قضيتم مناسككم } معناه فإذا أديتم مناسككم وقيل فإذا فرغتم من مناسككم والمناسك: جمع المنسك والمنسك يجوز أن يكون موضع النسك ويجوز أن يكون مصدراً فإن كان موضعاً فالمعنى فإذا قضيتم ما وجب عليكم إيقاعه في متعبداتكم وإن كان بمعنى المصدر فإنما جمع لأنه يشتمل على أفعال وأَذكار فجاز جمعه كالأصوات أي فإذا قضيتم أفعال الحج فاذكروا الله واختلف في الذكر على قولين - أحدهما: - أن المراد به التكبير المختص بأيام منى لأنه الذكر المرغب فيه المندوب إليه في هذه الأيام والآخر: أن المراد به سائر الأدعية في تلك المواطن لأن الدعاء فيها أفضل منه في غيرها { كذكركم آباءكم } معناه ما روي عن أبي جعفر الباقر ع أنهم كانوا إذا فرغوا من الحج يجتمعون هناك ويعدّون مفاخر آبائهم ومآثرهم ويذكرون أيامهم القديمة وأياديهم الجسيمة فأمرهم الله سبحانه أن يذكروه مكان ذكرهم آباءهم في هذا الموضع { أو أشد ذكراً } أو يزيدوا على ذلك بأن يذكروا نعم الله ويعدّوا آلاءه ويشكروا نعماءه لأن آباءَهم وإن كانت لـهم عليهم أياد ونعم فنعم الله عليهم أعظم وأياديه عندهم أفخم ولأنه المنعم بتلك المآثر والمفاخر على آبائهم وعليهم وهذا هو الوجه في تشبيهه هذا الذكر الواجب بذلك الذكر الذي هو دونه في الوجوب، وهو قول الحسن وقتادة، وقيل معناه واستغيثوا بالله وافزعوا إليه كما يفزع الصبي إلى أبيه في جميع أموره ويلـهج بذكره فيقول يا أبت عن عطاء والأول أصحّ وقولـه { فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا } بيَّن سبحانه أن الناس في تلك المواطن أصناف فمنهم من يسأل نعيم الدنيا ولا يسأل نعيم الآخرة لأنه غير مؤمن بالبعث والنشور { وما لـه في الآخرة من خلاق } أي نصيب من الخير موفور.