الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلشَّهْرُ ٱلْحَرَامُ بِٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ }

اللغة: إنما سّمي الشهر الحرام لأنه يحرم فيه ما يحلّ في غيره من القتال ونحوه والحرمات جمع حرمة وهي ما يجب حفظه ويحرم هتكه والحرام هو القبيح الممنوع من فعلـه والحلال المطلق المأذون فيه والقصاص الأخذ للمظلوم من الظالم من أجل ظلمه إياه واعتدى عليه وعدي عليه بمعنى مثل قرب واقترب واجتلب وقيل: إن في افتعل مبالغة ليست في فعل. المعنى: ثم بيّن الله تعالى القتال في الشهر الحرام فقال { الشهر الحرام بالشهر الحرام } المراد بها هنا هنا ذو القعة وهو شهر الصدّ عام الحديبية والأشهر الحرم أربعة ثلاثة سَرْد ذو القعدة وذو الحجة والمحرم وواحد فرد وهو رجب كانوا يحرمون فيها القتال حتى لو أن رجلاً لقي قاتل أبيه أو أخيه لم يتعرض لـه بسوء وإنما قيل ذو القعدة لقعودهم فيه عن القتال وقيل في تقديره وجهان أحدهما: أنه قتال شهر الحرام أي في الشهر الحرام بقتال الشهر الحرام فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه وقيل إنه الشهر الحرام على جهة العوض لما فات في السنة الأولى ومعناه الشهر الحرام ذو القعدة الذي دخلتم فيه مكة واعتمرتم وقضيتم منها وطركم في سنة سبع بالشهر الحرام ذي القعدة الذي صددتم فيه عن البيت ومُنعتم عن مرادكم في سنة ست. { والحرمات قصاص } قيل فيه قولان أحدهما: أن الحرمات قصاص بالمراغمة بدخول البيت في الشهر الحرام قال مجاهد لأن قريشاً فخرت بردها رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية محرماً في ذي القعدة عن البلد الحرام فأدخلـه الله مكة في العام المقبل في ذي القعدة فقضى عمرته وأَقَصَّه بما حيل بينه وبينه، وهو معنى قتادة والضحاك والربيع وعبد الرحمن بن زيد وروي عن ابن عباس وأبي جعفر الباقر مثلـه والثاني: أن الحرمات قصاص بالقتال في الشهر الحرام أي لا يجوز للمسلمين إلا قصاصاً قال الحسن إن مشركي العرب قالوا لرسول الله أنُهيت عن قتالنا في الشهر الحرام؟ قال: " نعم " وإنما أراد المشركون أن يغرّوه في الشهر الحرام فيقاتلوه فأنزل الله هذا أي أن استحلوا منكم في الشهر الحرام شيئاً فاستحلوا منهم مثل ما استحلوا منكم. وبه قال الزجاج والجبائي وإنما جمع الحرمات لأنه أراد حرمة الشهر وحرمة البَلَد وحرمة الإحرام وقيل لأن كل حرمة تستحل فلا يجوز إلا على وجه المجازاة. { فمن اعتدى عليكم } أي ظلمكم { فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } أي فجازوه باعتدائه وقابلوه بمثلـه والثاني ليس باعتداء على الحقيقة ولكن سماه اعتداء لأنه مجازاة اعتداء وجعلـه مثلـه وإن كان ذلك جوراً وهذا عدلاً لأنه مثلـه في الجنس وفي مقدار الاستحقاق ولأنه ضرر كما أن ذاك ضرر فهو مثلـه في الجنس والمقدار والصفة { واتقوا الله } فيما أمركم به ونهاكم عنه { واعلموا أنّ الله معَ المتقين } بالنصرة لـهم أو يريد أن نصرة الله معهم وَأَصْلُ { مَعَ } المصاحبة في المكان أو الزمان وفي هذه الآية دلالة على أن من غصب شيئاً وأتلفه يلزمه ردّ مثلـه ثم أن المثل قد يكون من طريق الصورة في ذوات الأمثال ومن طريق المعنى كالقِيَم فيما لامثل لـه.