الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى ٱلْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ بِٱلإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }

اللغة: الباطل الذاهب الزائل يقال بطل إذا ذهب وقيل الباطل هو ما تعلق بالشيء على خلاف ما هو به خبراً كان أو اعتقاداً أو ظناً أو تخيلاً والحكم هو الذي يفصل بين الخصمين يمنع كل واحد من منازعة الآخر ويقال أدلى فلان بحجته إذا أقامها وهو من قولـهم أدليت الدلو في البئر إذا أرسلتها ودلوتها إذا أخرجتها فمعنى قولـهم أدلى بحجته أرسلـها وأتى بها على صحة وفي تشبيه الخصومة بإرسال الدلو في البئر وجهان أحدهما: إنه تعلق بسبب الحكم كتعلق الدلو بالسبب الذي هو الحبل الثاني: أنه يمضي فيه من غير تثبيت كمضي الدلو في الإرسال من غير تثبيت والفريق القطيعة المعزولة من الجملة سواء كان من الناس أو من غيرهم والإثم الفعل الذي يستحق به الذم. الإعراب: وتدلوا: محلـه جزم على النهي عطفاً على قولـه ولا تأكلوا ويحتمل أن يكون نصباً على الظرف ويكون نصبه بإضمار أن كقول الشاعر:
لا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأتِيَ مِثْلَـهُ   عارٌ عَلَيْكَ إِذا فَعَلْتَ عَظِيمُ
أي لاتجمع بينهما. المعنى: ثُمَّ بَيَّن سبحانه شريعة من شرائع الإسلام نسقاً على ما تقدم من بيان الحلال والحرام فقال { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } أي لا يأكل بعضكم مال بعض بالغصب والظلم والوجوه التي لا تحل كقولـه { ولا تقتلوا أنفسكم } أي ولا يقتل بعضكم بعضاً وقيل معناه لا تأكلوا أموالكم باللهو واللعب مثل ما يؤخذ في القمار والملاهي لأن كل ذلك من الباطل وروي عن أبي جعفر أنه يعني بالباطل اليمين الكاذبة يقتطع بها الأموال وروي عن أبي عبد الله قال: كانت قريش يقامر الرجل في أهلـه ومالـه فنهاهم الله والأولى حملـه على الجميع لأن الآية تحتمل الكل { وتدلوا بها إلى الحكام } وتلقوا بها إلى القضاة وقيل فيه أقوال أحدهما: أنه الودائع وما لا يقوم عليه بينة عن ابن عباس والحسن وقتادة وثانيها: أنه مال اليتيم في يد الأوصياء لأنهم يدفعونه إلى الحكام إذا طولبوا به ليقطعوا بعضه وتقوم لـهم في الظاهر حجة عن الجبائي وثالثها: أنه ما يؤخذ بشهادة الزور عن الكلبي والأولى أن يحمل على الجميع { لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم } أي لتأكلوا طائفة من أموال الناس بالفعل الموجب للإثم بأن يحكم الحاكم بالظاهر وكان الأمر في الباطن بخلافه { وأنتم تعلمون } أنّ ذلك الفريق من المال ليس بحق لكم وأنتم مبطلون وهذا أشد في الزجر وقال أبو عبد الله ع: علم الله أنه سيكون في هذه الآمة حكام يحكمون بخلاف الحق فنهى الله تعالى المؤمنين أن يتحاكموا إليهم وهم يعلمون أنهم لا يحكمون بالحق وهذا يدل على أن الإقدام على المعصية مع العلم أو مع التمكن من العلم أعظم.