الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَٱلآنَ بَٰشِرُوهُنَّ وَٱبْتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلْخَيْطُ ٱلأَبْيَضُ مِنَ ٱلْخَيْطِ ٱلأَسْوَدِ مِنَ ٱلْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّليْلِ وَلاَ تُبَٰشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَٰكِفُونَ فِي ٱلْمَسَٰجِدِ تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ ءَايَٰتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }

اللغة: الرفث الجماع هاهنا بلا خلاف وقيل: إن أصلـه القول الفاحش فكُنّي به عن الجماع قال العجاج:
عن اللغا ورفث التكلمِ   
قال الأخفش: إنما عُدّيت بإلى في الأية لأنه بمعنى الإفضاء واللباس الثياب التي من شأنها أن تستر الأبدان ويشبّه به الأغشية فيقال لبس السيف بالحلية والعرب تسمي المرأة لباساً وإزاراً قال الشعر:
إذا مَا الضَّجِيعُ ثَنى عِطْفَهُ   تَثَنَّتْ فَكانَتْ عَلَيْهِ لِباسا
وقال:
ألا أَبْلِغْ أَبا حَفْصٍ رسُولاً   فَدىً لَكَ مِنْ أخِي ثِقةً إزارِي
قال أهل اللغة معناه امرأتي والاختيان الخيانة يقال خانه يخونه خوناً وخيانة واختانه اختياناً. وخائنة الأعين مسارقة النظر إلى ما لا يحل وأصل الباب منع الحق، والمباشرة إلصاق البشرة بالبشرة وهي ظاهر الجلد والابتغاء طلب البغية: { والخيط الأبيض } بياض الفجر: { والخيط الأسود } سواد الليل فأول النهار طلوع الفجر الثاني لأنه أوسع ضياء قال أبو داود:
فَلَما أَضاءَتْ لَنا غُدْوَةٌ   وَلاحَ مِنَ الصُبْحِ خَيْطٌ أَنارَا
والخيط في اللغة معروف يقال خاطه يخيطه خيطاً وخياطة والخيط القطيع من النعام ونعامةٌ خيطاء قيل خيطها طول قصبها وعنقها وقيل اختلاط سوادها ببياضها والسواد والبياض لونان كل واحد منهما أصل بنفسه وبيضة الإسلام وابتاضوهم أي استأصلوهم بمعنى اقتلعوا بيضتهم والسواد والمساودة المسارة لأن الخفاء فيه كخفاء الشخص في سواد الليل وسواد العراق سمي به لكثرة الماء والشجر الذي تسودُّ به الأرض وسواد كل شيء شخصه وسويداء القلب وسواده دمه الذي فيه وقيل حبة القلب والعكوف والاعتكاف أصلـه اللزوم يقال عكفت بالمكان أي أقمت به ملازماً لـه قال الطرماح:
فَباتَ بَناتُ الليلِ فِي الليلِ عُكَّفا   عُكوفَ البَواكِي بَيْنَهنَّ صَرِيعُ
وهو في الشرع عبارة عن اللبث في مكان مخصوص للعبادة والحد على وجوه الحد المنع وحدود الله فرائضه. قال الزجاج: هي ما منع الله من مخالفتها والحد جلد الزَّاني وغيره والحد حد السيف وغيره والحد حد الدار والحد فرق بين الشيئين والحد نهاية الشيء التي تمنع من أن يدخلـه ما ليس منه أو أن يخرج عنه ما هو منه وقال الخليل: الحد الجامع المانع. والحدَّاد: البواب قال الأعشى:
فَقُمْنا وَلَمّا يصِحْ دِيكُنا   إلى جَوْنَةٍ عِنْدَ حَدّادِها
يعني: صاحبها الذي يحفظها ويمنعها وكل من منع شيئاً فهو حَدّاد ومن ذلك أحدَّت المرأة على زوجها معناه امتنعت من الزينة والحديد إنما سمي حديداً لأنه يمتنع به من الأعداء فأصل الباب المنع. النزول: روى علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه رفعه إلى أبي عبد الله قال: كان الأكل محرماً في شهر رمضان بالليل بعد النوم وكان النكاح حراماً بالليل والنهار في شهر رمضان وكان رجل من أصحاب رسول الله يقال لـه مطعم بن جبير أخو عبد الله بن جبير الذي كان رسول الله وكلـه بفم الشعب يوم أحد في خمسين من الرماة وفارقه أصحابه وبقي في اثني عشر رجلاً فقتل على باب الشِعب وكان أخوه هذا مطعم بن جبير شيخاً ضعيفاً وكان صائماً فأَبطأت عليه أهلـه بالطعام فنام قبل أن يفطر فلما انتبه قال لأهلـه: قد حرم عليّ الأكل في هذه الليلة فلما أصبح حضر حفر الخندق فأغمي عليه فرآه رسول الله فرقّ لـه وكان قوم من الشباب ينكحون بالليل سِرًّا في شهر رمضان فأنزل الله هذه الآية فأحل النكاح بالليل في شهر رمضان والأكل بعد النوم إلى طلوع الفجر واختلفت العامة في اسم هذا الرجل من الأنصار فقال بعضهم: قيس بن صرمة، وقيل: أبو صرمة وقيل: أبو قيس بن صرمة، وقيل: صرمة بن إياس وقالوا جاء إلى رسول الله فقال: عملت في النخل نهاري أجمع حتى إذا أمسيت فأتيت أهلي لتطعمني فأَبطأتْ فنمتُ فأيقظوني وقد حرم عليّ الأكل وقد أمسيت وقد جهدني الصوم فقال عمر: يا رسول الله أعتذر إليك من مثلـه رجعت إلى أهلي بعدما صليت العشاء فأتيت امرأتي وقام رجال واعترفوا بمثل الذي سمعوا فنزلت الآية عن ابن عباس والسُدّي.

السابقالتالي
2 3