الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }

اللغة: أجاب واستجاب بمعنى قال الشاعر:
وَداعٍ دَعا يا مَنْ يُجِيبُ لِيَ النّدَا   فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُجِيبُ
أي لم يجبه، وقال المبرد: بينهما فرق وهو أن في الاستجابة معنى الإذعان وليس ذلك في الإجابة وأصلـه من الجوب وهو القطع يقال جاب البلاد يجوبها جوباً إذا قطعها واجتاب الظلام بمعناه والجابة والإجابة بمعنى، والصحيح أن الجابة والطاعة والطاقة ونحوها أسماء بمعنى المصادر وأجاب عن السؤال جواباً وانجاب السحاب إذا انقشع وأصل الباب القطع فإجابة السائل القطع بما سأل لأن سؤالـه على الوقف أيكون أم لا يكون والرشد نقيض الغي رشَد يُرشد رُشداً ورَشِد يرشدُ رَشْداً ورجل رشيد وولد فلان لِرَشْده خلاف لزنية وأصل الباب إصابة الخير ومنه الإرشاد وهو الدلالة على وجه الإصابة للخير. الإعراب: إذا ظرف زمان للفعل الذي يدل عليه قولـهفإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعانِ } [البقرة: 86] تقديره فأخبره يا محمد إني بهذه الصفة ولا يجوز أن يعمل فيه قريب أو أجيب لأن معمول إنَّ لا يجوز أن يعمل فيما إنَّ بُيّن في موضعه وقولـه أجيب في موضع رفع بأنه خبر إنَّ أيضاً فهو خبر بعد خبر. النزول: روي عن الحسن أن سائلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه فنزلت الاية وقال قتادة نزلت جواباً لقوم سألوا النبي كيف ندعوا. المعنى: لما ذكر سبحانه الصوم عقَّبه بذكر الدعاء ومكانه منه وإجابته إياه فقال: { وإذا سألك عبادي عني } الأقرب أن يكون السؤال عن صفته سبحانه لا عن فعلـه لقولـه سبحانه: { فإني قريب } وفيه حذف أي فقل إني قريب فدلّ بهذا على أنه سبحانه لا مكان لـه إذ لو كان لـه مكان لم يكن قريباً من كل من يناجيه، وقيل معناه إني سريع الإجابة إلى دعاء الداعي لأن السريع والقريب متقاربان، وقيل معناه إني أسمع دعاء الداعي كما يسمعه القريب المسافة منهم فجاءت لفظة قريب بحسن البيان بها فأما قريب المسافة فلا يجوز عليه سبحانه لأن ذلك إنما يتصور فيمن كان متمكناً في مكان وذلك من صفات المحدثات وقولـه: { أجيب دعوة الداع إذا دعان } مفهوم المعنى وقولـه: { فليستجيبوا لي } قال أبو عبيدة: معناه فليجيبوني فيما دعوتهم إليه وقال المبرد والسراج: معناه فليذهبوا للحق بطلب موافقة ما أمرتهم به ونهيتهم عنه وقال مجاهد: معناه فليستجيبوا لي بالطاعة وقيل معناه فليدعوني وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أعجز الناس من عجز عن الدعاء وأبخل الناس من بخل بالسلام ". { وليؤمنوا بي } أي وليصدقوا بجميع ما أنزلته وروي عن أبي عبد الله أنهُ قال: وليؤمنوا بي أي: وليتحققوا أني قادر على إعطائهم ما سألوه.

السابقالتالي
2