الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّيْسَ ٱلْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلْكِتَابِ وَٱلنَّبِيِّينَ وَآتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلاةَ وَآتَى ٱلزَّكَاةَ وَٱلْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَٱلصَّابِرِينَ فِي ٱلْبَأْسَآءِ وٱلضَّرَّآءِ وَحِينَ ٱلْبَأْسِ أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ }

القراءة: قرأ حفص عن عاصم غير هبيرة وحمزة ليس البرَّ بنصب الراء والباقون بالرفع وروي في الشواذ عن ابن مسعود وأُبَيّ ليس البرَ بالنصب بأن يولّوا بالياء وقرأ نافع وابن عامر ولكن البر بالتخفيف والرفع والباقون ولكن البرّ بالتشديد والنصب. الحجة: قال أبو علي حجة من رفع البر أن ليس يشبه الفعل وكون الفاعل بعد الفعل أولى من كون المفعول بعده وحجة من نصب البر أنه قد حكي عن بعض شيوخنا أنه قال في هذا النحو أن يكون الاسم أنْ وصلتها أولى بشبهها بالمضمر في أنها لا توصف كما لا يوصف المضمر وكأنه اجتمع مضمر ومظهر والأولى إذا اجتمعا أن يكون المضمر الاسم من حيث كان أذهب في الاختصاص من المظهر. قال ابن جني يجوز أن يكون إنما نصب البر مع الباء بأن جعل الباء زائدة كقولـهم:وكفى بالله وكيلاً } [النساء: 81]. اللغة: البر العطف والاحسان مصدر ويجوز أن يكون بمعنى البار أي الواسع الاحسان والبِرّ الصدق والبِرّ الإيمان والتقوى وأصله من الاتساع ومنه البَرّ خلاف البحر لاتساعه واختلف أهل اللغة والفقهاء في المسكين والفقير أيهما أشد أحوالاً فقال جماعة المسكين الذي لا شيء له والفقير الذي له ما لا يكفيه وهو قول يونس وابن دريد وقول أبي حنيفة وقال آخرون الفقير الذي لا شيء له والمسكين من له شيء يسير وهو قول الشافعي والسبيل الطريق وابن السبيل هو المنقطع به إذا كان في سفره محتاجاً وإن كان في بلده ذا يسار وهو من أهل الزكاة وقيل إنه الضيف عن قتادة وإنما قيل للمسافر ابن الطريق للزومه الطريق كما قيل للطير ابن الماء قال ذو الرمة:
وَرَدْتُ اعْتسَافاً وَالثُّرَيَّا كَأنَّهَا   عَلى قِمَّةِ الرَّأسِ ابْنُ مَاءٍ مُحَلّقُ
والرقاب جمع رقبة وهي أصل العنق ويُعبّر به عن جميع البدن يقال أعتق الله رقبته ومنه قولـه:فتحرير رقبة } [النساء: 92] والبأساء والبؤس الفقر والضراء السقم والوجع وهما مصدران بنيا على فعلاء وليس لهما أفعل لأن أفعل وفعلاء في الصفات والنعوت ولم يأتيا في الأسماء التي ليست بنعوت. الإعراب: مَن نصَب البرّ جعل أن مع صلتها اسم ليس أي ليس توليتكم وجوهكم البرَّ كله ومن رفع البر فالمعنى ليس البرُّ كله توليتكم وكلا المذهبين حسن لأن كل واحد من اسم ليس وخبرها معرفة فإذا اجتمعا في التعريف تكافآ في كون أحدهما اسماً والآخر خبراً كما تتكافأ النكرتان وقد ذكرنا الوجه في ترجيح أحد المذهبين على الآخر ولكن البرّ إذا شددّت لكن نصبت البر وإذا خفّفت رفعت البر وكسرت النون مع التخفيف لالتقاء الساكنين وإما الإخبار عن البر بمن آمن ففيه وجوه ثلاثة أحدها: أن يكون البر بمعنى البار فجعل المصدر في موضع اسم الفاعل كما يقال ماء غور أي غائر ورجل صوم أي صائم ومثله قول الخنساء:

السابقالتالي
2 3 4 5