الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي ٱسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّآ أَضَآءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَٰتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ }

اللغة: المثل والمثل والشبه والشبه نظائر وحقيقة المثل ما جعل كالعلم على معنى سائر يشبه فيه الثاني بالأول ومثاله قول كعب بن زهير:
كَانَتْ مَوَاعِيدُ عُرْقُوبِ لَنَا مَثَلاً   وَمَا مَوَاعِيدُه إِلاَّ الأَبَاطِيلُ
فمواعيد عرقوب علم في كل ما لا يصح من المواعيد ومنه التمثال لأنه يشبه الصورة والذي قد يوضع موضع الجمع كقولـه تعالى:وَٱلَّذِي جَآءَ بِٱلصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ } [الزمر: 33] ثم قالوَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ } [البقرة: 177] قال الشاعر:
وَإِنَّ الَّذِي حَانَتْ بِفَلْجٍ دِماؤُهُمْ   هُمُ القَوْمُ كُلُّ القَوْمِ يَا أُمَّ خالِدِ
واستوقد بمعنى أوقد مثل استجاب بمعنى أجاب وقيل استوقد أي طلب الوقود والوقود بفتح الواو الحطب والنار جوهر مضيء حار محرق وأصله من النور يقال نار وأنار واستنار بمعنى والمنارات العلامات وأضاء يكون لازماً ومتعدياً يقال أضاء الشيء بنفسه وأضاء غيره والذي في الآية متعدّ والترك للشيء والكف عنه والإِمساك نظائر والظلمات جمع ظلمة وأصلها انتقاص الحق من قولـه ولا تظلم منه شيئاً أي لم تنقص ومنه ومن أشبه أباه فما ظلم أي ما انتقص حق الشيء والإبصار إِدراك الشيء بحاسة البصر يقال أبصر بعينه والإبصار بالقلب مشبه به. الإعراب: مثلهم مبتدأ وكمثل الذي خبره والكاف زائدة تقديره مثلهم مثل الذي استوقد ناراً ونحوه قولـه:لَيْسَ كَمِثْلِهِ } [الشورى: 11] أي ليس مثله شيء واستوقد ناراً وما اتصل به من صلة الذي والعائد إلى الذي المضمر الذي في استوقد ولما يدل على وقوع الشيء لوقوع غيره وهو بمعنى الظرف والعامل فيه جوابه منصوب بوقوعِ الإِضاءة عليه وحوله نصب على الظرف وهو صلة ما يقال هم حولَه وحولَيْه وحوالَه وحوالَيْه وقوله ذهب الله بنورهم أي أذهب الله نورهم والفعل الذي لا يتعدى يتعدى إلى المفعول بحرف الجر وبهمزة النقل والباء في قوله بنورهم يتعلق بذهب وفي ظلمات يتعلق بتركهم وقوله لا يبصرون في موضع نصب على الحال والعامل فيه تركهم أي تركهم غير مبصرين. المعنى: مثلهم أي مثل هؤلاء المنافقين لما أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر { كمثل الذي استوقد } أي أوقد ناراً أو كمثل الذي طلب الضياء بإيقاد النار في ليلة مظلمة فاستضاء بها واستدفأ ورأى ما حوله فاتقى ما يحذر ويخاف وأمن فبينا هو كذلك إذ أطْفِئت ناره فبقي مظلماً خائفاً متحيراً كذلك المنافقون لما أظهروا كلمة الإيمان واستناروا بنورها واعتزّوا بعزها فناكحوا المسلمين ووارثوهم وأمنوا على أموالهم وأولادهم فلما ماتوا عادوا إلى الظلمة والخوف وبقوا في العذاب وذلك معنى قولـه: { فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم } وهذا هو المروي عن ابن عباس وقتادة والضحاك والسدّي وكان يجب في حق النظم أن يكون اللفظ فلما أضاءت ما حوله أطفأ الله ناره ليشاكل جواب لمّا معنى هذه القضية ولكن لما كان أطفاء هذه النار مثلاً لإذهاب أقيم إذهاب النور مقام الإطفاء وحذف جواب لما إيجازاً واختصاراً لدلالة الكلام عليه كما قال أبو ذؤيب:

السابقالتالي
2