الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلْفُلْكِ ٱلَّتِي تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٍ فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ ٱلرِّيَاحِ وَٱلسَّحَابِ ٱلْمُسَخَّرِ بَيْنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }

القراءة: قرأ حمزة والكسائي الريح على التوحيد والباقون على الجمع ولم يختلفوا في توحيد ما ليس فيه ألف ولام وقرأ أبو جعفر الرياح على الجمع كل القرآن إلا في الذاريات وقرأ أبو عمرو ويعقوب وابن عامر وعاصم الرياح في عشرة مواضع في البقرة والأعراف والحجر والكهف والفرقان والنمل والروم في موضعين وفاطر والجاثية وقرأ نافع في اثني عشر موضعاً هذه العشرة وفي إبراهيم وعسق وقرأ ابن كثير في خمسة مواضع البقرة والحجر والكهف وأول الروم والجاثية وقرأ الكسائي الرياح في ثلاثة مواضع في الحجر والفرقان وأول الروم ووافقه حمزة إلا في الحجر. الحجة: قال ابن عباس الرياح للرحمة والريح للعذاب وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا هبت ريح قال: " اللهم إجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً " ويقوّي هذا الخبر قولـه سبحانه:ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات } [الروم: 46] ويشبه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم إنما قصد بقولـه هذا الموضع وبقولـه ولا تجعلها ريحاً قولـه سبحانه:وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم } [الذاريات: 41] وقد تختص اللفظة في التنزيل بشيء فيكون إمارة له فمن ذلك أن عامة ما جاء في القرآن من وقولـه ما يدريك مبهم غير مبيّن وما كان من لفظ ما أدريك ما الحاقة وما القارعة وما يدريك لعلّ الساعة قريب. قال أبو علي وتصريف الرياح على الجمع أولى لأن كل واحدة من الرياح مثل الأخرى في دلالتها على التوحيد ومن وحد فإنه أراد الجنس كما قالوا أهلك الناس الدينار والدرهم فأما قولـهولسليمان الريح عاصفة } [الأنبياء: 81] وإن كان الرياح كلها سخرت له فالمراد بها الجنس والكثرة وإن كانت قد سخرت له ريح بعينها كان كقولك الرجل وأنت تريد به العهد وأما قولـهوفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم } [الذاريات: 41] فهي واحدة يدلك عليه قولـه:فأرسلنا عليهم ريحاً صرصراً } [فصلت: 16] وفي الحديث: " نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور " فهذا يدلُّ على أنها واحدة. اللغة: الخلق هو الإحداث للشيء على تقدير من غير احتذاء على مثال ولذلك لا يجوز إطلاقه إلا في صفات الله سبحانه لأنه لا أحد سوى الله يكون جميع أفعاله على ترتيب من غير احتذاء على مثال وقد استعمل الخلق بمعنى المخلوق كما استعمل الرضا بمعنى المرضي وهو بمنزلة المصدر وليس معنى المصدر بمعنى المخلوق واختلف أهل العلم فيه إذا كان بمعنى المصدر فقال قوم هو الإرادة له وقال آخرون إنما هو على معنى مقدر كقولك وجود وعدم وحدوث وقدم وهذه الأسماء تدل على مسمى مقدر لبيان المعاني المختلفة وإلا فالمعني بها هذا الموصوف في الحقيقة والسماوات جمع السماء وكل سقف ساء غير أنه أطلق لم يفهم منه غير السماوات السبع وإنما السماوات ووحدت الأرض لأنه لما ذكر السماء بأنها سبع في قولـه: { فسَّواهن سبع سموات } وقولـه: { خلق سبع سموات } جمع لئلا يوهم التوحيد معنى الواحدة من هذه السبع.

السابقالتالي
2 3 4 5