الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }

اللغة: التوبة هي الندم الذي يقع موقع التنصل من الشيء وذلك بالتحسر على مواقعته والعزم على ترك معاودته إن أمكنت المعاودة واعتبروا قوم ترك المعاودة على مثله في القبح وهذا أقوى لأن الأمة أجمعت على سقوط العقاب عند هذه التوبة وفيما عداها خلاف وإصلاح العمل هو إخلاصه من قبيح ما يشوبه والتبيين هو التعريض للعلم الذي يمكن به صحة التمييز من البين الذي هو القطع. الإعراب: موضع الذين نصب على الاستثناء من الكلام الموجب معنى الاستثناء الاختصاص بالشيء دون غيره فإذا قلت جاءني القوم إلا زيداً فقد اختصصت زيداً بأنه لم يجيء وإذا قلت ما جاءني إلا زيد فقد اختصصته بالمجيء وإذا قلت ما جاءني زيد إلا راكباً فقد اختصصته بهذه الحالة دون غيرها من المشي والعدو وغيرهما. المعنى: ثم اسثنى الله سبحانه في هذه الآية من تاب وأصلح وبيَّن من جملة من استحق اللعنة فقال: { إلا الذين تابوا } أي ندموا على ما قدموا: { وأصلحوا } نياتهم فيما يستقبل من الأوقات: { وبَيّنوا } اختلف فيه فقال أكثر المفسرين بينوا ما كتموه من البشارة بالنبي صلى الله عليه وسلم وقيل بينوا التوبة وإصلاح السريرة بالإظهار لذلك فإن من ارتكب المعصية سِرّاً كفاه التوبة سرّاً ومن أظهر المعصية يجب عليه أن يظهر التوبة وقيل بَينّوا التوبة بإخلاص العمل. { فأولئك أتوب عليهم } أي أقبل والأصل في أتوب أفعل التوبة إلا أنه لما وصل بحرف الإضافة دلّ على أن معناه أقبل التوبة إنما كان لفظه مشتركاً بين فاعل التوبة والقابل لها للترغيب في صفة التوبة إذ وصف بها القابل لها وهو الله عز اسمه وذلك من إنعام الله على عباده لئلا يتوهم بما فيها من الدلالة على مفارقة الذنب أن الوصف بها عيب فلذلك جعلت في أعلى صفات المدح. { وأنا التواب } هذه اللفطة للمبالغة إما لكثرة ما يقبل التوبة وإما لأنه لا يردّ تائباً مُنيباً أصلاً ووصفه سبحانه نفسه بالرحيم عقيب قولـه التواب يدل على أن إسقاط العقاب عند التوبة تفضلٌ من الله سبحانه ورحمة من جهته على ما قاله أصحابنا وأنه غير واجب عقلاً على ما يذهب إليه المعتزلة فإن قالوا قد يكون الفعل الواجب نعمة إذا كان منعماً بسببه كالثواب والعوض لما كان منعماً بالتكليف والآلام التي تستحق بها الإعراض جاز أن يطلق عليها اسم النعمة فالجواب أن ذلك إنما قلناه في الثواب والعوض ضرورة ولا ضرورة ها هنا تدعو إلى ارتكابه.