الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِ فَمَنْ حَجَّ ٱلْبَيْتَ أَوِ ٱعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ }

القراءة: قرأ أهل الكوفة غير عاصم من طوّع بالياء وتشديد الطاء والواو وكذلك ما بعده ووافقهم زيد ورويس عن يعقوب في الأول والباقون تطوع على أنه فعل ماض روي في الشواذ عن علي عليه السلام وابن عباس وأنس وسعيد بن جبير وأبي بن كعب وابن مسعود ألاّ يطوف بهما. الحجة: يمكن أن يكون لا على هذه القراءة زائدة كما في قولـه لئلا يعلم أهل الكتاب أي ليعلم وكقولـه:
من غير لا عصف ولا اصطراف   
أي من غير عصف وطوّع تقديره يتطوع إلا أنه أدغم التاء في الطاء لتقاربهما. اللغة: الصفا في الأصل الحجر الأملس مأخوذ من الصفو واحده صفاة قال امرؤ القيس:
لَهَا كَفَلٌ كَصَفَاةِ المِسْيـ   لِ أَبْرَزَ عَنْهَا جُحَافٌ مُضِرْ
فهو مثل حصاة وحصى ونواة ونوى وقيل إن الصفا واحد. قال المبرد: الصفا كل حجر لا يخلطه غيره من طين أو تراب وإنما اشتقاقه من صفا يصفو إذا خلص وأصله من الواو لأنك تقول في تثنيته صفوان ولا يجوز إمالته والمروة في الأصل الحجارة الصلبة اللينة وقيل الحصاة الصغيرة والمرو لغة في المروة وقيل هو جمع مثل تمرة وتمر قال أبو ذؤيب:
حَتَّى كَأنّي لِلْحَوادِثِ مَرْوَةٌ   بِصَفَا المُشْرِقِ كُلَّ يوْمٍ تُقْرَعُ
والمرو نبت وأصله الصلابة فالنبت إنما سمي بذلك لصلابة بزره وقد صارا اسمين لجبلين معروفين بمكة والألف واللام فيهما للتعريف لا للجنس والشعائر المعالم للأعمال وشعائر الله المعالم التي جعلها مواطن للعبادة وكل معلم لعبادة من دعاء أو صلاة أو غيرهما فهو من مشعر لتلك العبادة وواحد الشعائر شعيرة فشعائر الله أعلام متعبداته من موقف أو مسعى أو منحر من شعرت به أي علمت قال الكميت:
نُقّتلُهُمْ جِيْلاً فَجِيْلاً تَرَاهُمُ   شَعَائِرَ قُرْبَانٍ بِهِمْ يُتَقَرَّبُ
والحج في اللغة هو القصد على وجه التكرار وفي الشريعة عبارة عن قصد البيت بالعمل المشروع من الإحرام والطواف والسعي والوقوف بالموقفين وغير ذلك قال الشاعر:
وَأَشْهَدُ مِنْ عَوْفٍ حُلُولاً كثِيرَةً   يَحُجُّونَ بَيْتَ الزّبِرْقانِ المُزْعفَرا
يعني يكثرون التردد إليه لسؤدده والعمرة هي الزيارة أخذ من العمارة لأن الزائر يعمر المكان بزيارته وهي في الشرع زيارة البيت بالعمل المشروع والجناح الميل عن الحق يقال جنح إليه جنوحاً إذا مال وأجنحته فاجتنح أي أملته وجناحا الطائر يداه ويدا الإنسان جناحاه وجناحا العسكر جانباه والطواف الدوران حول الشيء ومنه الطائف وفي عرف الشرع الدور حول البيت والطائفة الجماعة كالحلقة الدائرة ويطوف أصله يتطوف ومثله يطوّع والفرق بين الطاعة والتطوع أن الطاعة موافقة الإرادة في الفريضة والنافلة والتطوع التبرع بالنافلة خاصة وأصلهما من الطوع الذي هو الانقياد والشاكر فاعل الشكر وإنما يوصف سبحانه بأنه شاكر مجازاً وتوسعاً لأنه في الأصل هو المظهر للأنعام عليه والله يتعالى عن أن يكون عليه نعمة لأحد.

السابقالتالي
2 3