الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا للَّهِ وَإِنَّـآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } * { أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ }

القراءة: أمال الكسائي في بعض الروايات النون من إنّا واللام من لله والباقون بالتفخيم. الحجة: وإنما جازت الإمالة في هذه الألف مع اسم الله للكسرة مع كثرة الاستعمال حتى صارت بمنزلة الكلمة الواحدة. قال الفراء: لا يجوز إمالة إنّا مع غير الاسم الله تعالى في مثل قولك إنّا لزيد وإنما لم يجز ذلك لأن الأصل في الحروف وما جرى مجراها امتناع الإمالة فيها فلا يجوز إمالة حتى ولكن ما أشبه ذلك لأن الحروف بمنزلة بعض الكلمة من حيث امتنع فيها التصريف الذي يكون في الأسماء والأفعال. اللغة: المصيبة المشقة الداخلة على النفس لما يلحقها من المضرة وهو من الإصابة كأنها تصيبها بالنكبة والرجوع مصير الشيء إلى ما كان يقال رجعت الدارُ إلى فلان إذا ملكها مرة ثانية وهو نظير العود والمصير والاهتداء الإصابة لطريق الحق. المعنى: ثم وصف عز اسمه الصابرين فقال { الذين إذا أصابتهم مصيبة } أي نالتهم نكبة في النفس أو المال فوطَّنوا أنفسهم على ذلك احتساباً للأجر { قالوا إنا لله } هذا إقرار بالعبودية أي نحن عبيد الله وملكه { وإنا إليه راجعون } هذا إقرار بالبعث والنشور أي نحن إلى حكمه نصير ولهذا قال أمير المؤمنين عليه السلام: إنّ قولنا إنا لله إقرار على أنفسنا بالملك وقولنا وإنا إليه راجعون إقرار على أنفسنا بالهلك وإنما كانت هذه اللفظة تعزية عن المصيبة لما فيها من الدلالة على أن الله تعالى يجبرها إن كانت عدلاً وينصف من فاعلها إن كانت ظلماً وتقديره إنا لله تسليماً لأمره ورضاء بتدبيره وإنا إليه راجعون ثقةً بأنا نصير إلى عدله وانفراده بالحكم في أموره وفي الحديث:من استرجع عند المصيبة جبر الله مصيبته وأحسن عقباه وجعل له خلفاً صالحاً يرضاه وقال عليه السلام: " من أصيب بمصيبة فأحدث استرجاعاً وإن تقادم عهدها كتب الله له من الأجر مثل يوم أصيب " وروى الصادق عليه السلام عن آبائه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أربع من كن فيه كتبه الله من أهل الجنة من كانت عصمته شهادة أن لا إله إلا الله ومن إذا أنعم الله عليه النعمة قال الحمد لله ومن إذا أصاب ذنباً قال أستغفر الله ومن إذا أصابته مصيبة قال إنا لله وإنا إليه راجعون ". وقولـه: { أولئك } إشارة إلى الذين وصفهم من الصابرين { عليهم صلوات من ربهم } أي ثناء جميل من ربهم وتزكية وهو بمعنى الدعاء لأن الثناء يستحق دائماً ففيه معنى اللزوم كما إن الدعاء يدعى به مرة بعد مرة ففيه معنى اللزوم وقيل بركات من ربهم عن ابن عباس وقيل مغفرة من ربهم { ورحمة } أي نعمة عاجلاً وآجلاً فالرحمة النعمة على المحتاج وكل أحد يحتاج إلى نعمة الله في دنياه وعقباه { وأولئك هم المهتدون } أي المصيبون طريق الحق في الاسترجاع وقيل وإلى الجنة والثواب وكان عمر بن الخطاب إذا قرأ هذه الآية قال نعم العدلان ونعمت العلاوة.