الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ }

اللغة: السبيل الطريق وسبيل الله طريق مرضاته وإنما قيل للجهاد سبيل الله لأنه طريق إلى ثواب الله عز وجل والقتل هو نقض بنية الحياة والموت عند من قال إنه معنى عرض ينافي الحياة منافاة التعاقب ومن قال إنه ليس بمعنى قال هو عبارة عن بطلان الحياة وهو الأصح فأما الحياة فلا خلاف في أنها معنى وهي عرض يصير الجملة كالشيء الواحد حتى يصير قادراً واحداً عالماً واحداً مريداً واحداً ولا يقدر على فعل الحياة إلا الله سبحانه والشعور هو ابتداء العلم بالشيء من جهة المشاعر وهي الحواس ولذلك لا يوصف تعالى بأنه شاعر ولا بأنه يشعر وإنما يوصف بأنه عالم ويعلم وقيل إن الشعور هو إدراك ما دقَّ للطف الحس مأخوذ من الشعر لدقته ومنه الشاعر لأنه يفطن من إقامة الوزن وحسن النظم لما لا يفطن له غيره. الإعراب: قولـه أموات مرفوع بأنه خبر مبتدأ محذوف تقديره لا تقولوا هم أموات ولا يجوز فيه النصب كما يجوز قلت حسناً لأن حسناً في موضع المصدر كأنه قال قلت قولاً حسناً فأما قولـه ويقولون طاعة فيجوز فيه النصب في العربية على تقدير نطيع طاعة والفرق بين بل ولكن إن لكن نفي لأحد الشيئين وإثبات للآخر كقولك ما قام زيد لكن عمرو وليس كذلك بل لأنها إضراب عن الأول وإثبات للثاني ولذلك وقعت في الإيجاب كقولك قام زيد بل عمرو. النزول: عن ابن عباس أنها نزلت في قتلى بدر وقتل من المسلمين يومئذ أربعة عشر رجلاً ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار وكانوا يقولون مات فلان فأنزل الله تعالى هذه الآية. المعنى: لما أمر الله سبحانه بالصبر والصلاة للازدياد في القوة بهما على الجهاد قال { ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات } فنهى أن يسمّى من قتل في الجهاد أمواتاً { بل أحياء } أي بل هم أحياء وقيل فيه أقوال أحدها: وهو الصحيح أنهم أحياء على الحقيقة إلى أن تقوم الساعة وهو قول ابن عباس وقتادة ومجاهد وإليه ذهب الحسن وعمرو ابن عبيد وواصل بن عطاء واختاره الجبائي والرماني وجميع المفسرين والثاني: أن المشركين كانوا يقولون إن أصحاب محمد يقتلون نفوسهم في الحروب بغير سبب ثم يموتون فيذهبون فأعلمهم الله أنه ليس الأمر على ما قالوه وأنهم سيُحيون يوم القيامة ويُثابون عن البلخي ولم يذكر ذلك غيره والثالث: معناه لا تقولوا هم أموات في الدين بل هم أحياء بالطاعة والهدى ومثله قولـه سبحانه:أو من كان ميتاً فأحييناه } [الأنعام: 122] فجعل الضلال موتاً والهداية حياة عن الأصم والرابع: أن المراد أنهم أحياء لما نالوا من جميل الذكر والثناء كما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام من قولـه: هلك خُزّان الأموال والعلماء باقون ما بقي الدهر أعيانهم مفقودة وآثارهم في القلوب موجودة.

السابقالتالي
2