الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَئِنْ أَتَيْتَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَآ أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِّن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ ٱلظَّالِمِينَ }

الإعراب: اختلف النحويون في أنّ لئن لم أجيبت بجواب لو فقال الأخفش أجيبت بجواب لو لأن الماضي وليها كما يلي لو فدخلت كل واحدة منهما على صاحبتها قال سبحانه:ولئن أرسلنا ريحاً فرأوه مصفراً لظلوا } [الروم: 51] جرى لئن مجرى لو وقال ولو أنهم آمنوا واتقوا ثم قال لمثوبة فجرى مجرى لئن. وقال سيبويه وأصحابه إن معنى لظلوا ليظلنّ فمعنى لئن غير معنى ولو وكل واحدة منهما على حقيقتها وحقيقة معنى لو أنها يمتنع بها الشيء لامتناع غيره كقولك لو أتيتني لأَكرمتك فامتنع الإِكرام لامتناع الإتيان ومعنى إن أن يقع بها الشيء لوقوع غيره تقول إن تأتني أكرمك فالإِكرام يقع بوقوع الإتيان ولو لما مضى وإن لما يستقبل وإنما الحق في الجواب هذا التداخل لدلالة اللام على معنى القسم فمجيء جواب القسم أغنى عن جواب الشرط لدلالته عليه وكذلك قولـه إنك إِذاً لمن الظالمين ليس بجواب للشرط على الحقيقة ولكنه جواب القسم وقد أغنى عن الجزاء بدلالته عليه وإِنما يجاب الشرط بالفعل أو بالفاء أو بإذا على ما هو مشروح في مواضعه. المعنى: { ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب } في الكلام معنى القسم أي والله لئن أتيت الذين أعطوا الكتاب يعني أهل العناد من علماء اليهود والنصارى عن الزجاج والبلخي وقيل المعني به جميع أهل الكتاب عن الحسن وأبي علي { بكل آية } أي بكل حجة ودلالة { ما تبعوا قبلتك } أي لا يجتمعون على اتباع قبلتك على القول الثاني وعلى القول الأول لا يؤمن منهم أحد لأن المعاند لا تنفعه الدلالة وإنما تنفع الجاهل الذي لا يعلم. { وما أنت بتابع قبلتهم } في معناه أربعة أقوال أحدها: أنه رفع لتجويز النسخ وبيان أن هذه القبلة لا تنسخ وثانيها: أنه على وجه المقابلة لقولـه ما تبعوا قبلتك كما يقال ما هم بتاركي إنكار الحق وما أنت بتارك الاعتراف به فيكون الذي جر الكلام الثاني هو التقابل للكلام الأول وثالثها: أن المراد ليس يمكنك استصلاحهم باتباع قبلتهم لاختلاف وجهتهم لأن النصارى تتوجه إلى جهة المشرق الموضع الذي ولد فيه عيسى ع واليهود إلى بيت المقدس بينَّ الله سبحانه أن إرضاء الفريقين محال ورابعها: أن المراد حَسْم أطماع أهل الكتاب من اليهود إِذا كانوا طمعوا في ذلك وظنّوا أنه يرجع إلى الصلاة إلى بيت المقدس. وقولـه: { وما بعضهم بتابع قبلة بعض } في معناه قولان أحدهما: أنه لا تصير النصارى كلهم يهوداً أو تصير اليهود كلهم نصارى أبداً كما لا يتبع جميعهم الإِسلام وهذا من الإخبار بالغيب قاله الحسن والسدي الآخر: أن معناه إسقاط اعتلالهم بأنه لا يجوز مخالفة أهل الكتاب فيما ورثوه عن أنبياء الله وأن بيت المقدس لم يزل كان قبلة الأَنبياء فهو أولى بأن يكون قبلة أي فكما جاز أن يخالف بين وجهتيهم للاستصلاح جاز أن يخالف بوجهة ثالثة في زمان آخر للاستصلاح ويحتمل أيضاً أن يجري الكلام الظاهر لأنه لم يثبت أن يهودياً تنصر ولا أن نصرانياً تهود فلا ضرورة بنا إلى العدول عن الظاهر إلى التأويل وهذا قول القاضي.

السابقالتالي
2