الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ }

القراءة: قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وحفص عن عاصم لرؤوف على وزن رَعُوف وقرأ أبو جعفر لرؤوف مثقل غير مهموز والباقون لرؤوف على وزن رعف. الحجة: وجه من قرأ رؤوف أنّ بناء فعول أكثر في كلامهم من فَعُل ألا ترى أن باب ضروب وصبور أكثر من باب يَقُظ وحَذُر وقد جاء على هذه الزنة من صفات الله تعالى نحو غفور وشكور وودود ولا نعلم فَعُلا فيها وقال كعب بن مالك الأنصاري:
نُطِيْعُ نَبِيَّنَا وَنُطِيعُ رَبّاً   هُوَ الرَّحْمنُ كَانَ بِنَا رَؤُوْفَا
ومن قرأ رَؤُوفاً قال إن ذلك الغالب على أهل الحجاز قال الوليد بن عقبة لمعاوية:
وَشَرُّ الطَّالِبيْنَ فَلاَ تَكُنْهُ   لِقَاتِلِ عَمِّه الرَّؤوفِ الرَّحِيمِ
وقال جرير:
يَرَى لِلْمُسْلِمِيْنَ عَلَيْكَ حَقّاً   كَفَعْلِ الوَالِدِ الرَّؤوفِ الرَّحِيمِ
اللغة: الوسط العدل وقيل الخيار ومعناهما واحد لأن العدل خير عدل وقيل أخذ من المكان الذي يعدل المسافة منه إلى أطرافه وقيل بل أخذ من التوسط بين المقصر والغالي فالحق معه قال مؤرج: أي وسطاً بين الناس وبين أنبيائهم قال زهير:
هُمُ وَسَطٌ يرضى الأَنَامُ بِحُكْمِهِم   إذَا طَرَقَتْ إحْدَى اللَّيالَي بِمُعْظَمِ
قال صاحب العين الوسط من كل شيء أعدله وأفضله وقيل الواسط والوسط كما قيل اليابس واليَبَس وقيل في صفة النبي صلى الله عليه وسلم كان من أوسط قومه أي من خيارهم والعقب مؤخر القدم وعقب الإنسان نسله قال ثعلب:
نردّ على أعقابنا   
أي نعقب بالشر بعد الخير وكذلك رجع على عقبيه والعُقبة الكرة بعد الكرة في الركوب والمشي والتعقيب الرجوع إلى أمر تريده ومنه ولم يعقب وعَقَب الليلُ النهارَ يعقِبُه والإضاعة مصدر أضاع يضيع وضاع الشيء ضياعاً وضيع الشيء تضييعاً. وقال صاحب العين: ضيعة الرجل حرفته ويقال ما ضيعتك أي حرفتك ومنه كل رجل وضيعته وترك عياله بضيعة والضيعة والضياع معروف وأصل الضياع الهلاك قال أبو زيد رأفت بالرجل أرأف به رأفة ورؤفت به أرؤف به بمعنى. الإعراب: في الآية ثلاثة لامات مختلفات فاللام في قولـه لتكونوا لام كي وتكونوا في موضع نصب بإضمار أن وتقديره لأن تكونوا وإن تكونوا في موضع جر باللام لأنها اللام الجارة في الأصل وفي قولـه: { وإن كانت لكبيرة } لام توكيد وهي لام الابتداء فُصِلت بينها وبين إن لئلا يجتمع حرفان متفقان في المعنى وهي تلزم إن المخففة من الثقيلة لئلا تلتبس بإن النافية التي هي بمعنى ما في مثل قولـه:إن الكافرون إلا في غرور } [الملك: 20] وقال الكوفيون أن في مثل هذا الموضع بمعنى ما واللام بمعنى الا تقديره وما كانت إلا كبيرة وأنكر البصريون ذلك لأنه لو كان كذلك لجاز أن يقال جاء القوم لزيداً بمعنى إلا زيداً.

السابقالتالي
2 3 4