الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَـاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ ٱللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ ٱللَّهِ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }

القراءة: قرأ أهل الكوفة غير أبي بكر وابن عامر أم تقولون بالتاء والباقون بالياء. الحجة: الأول على الخطاب فتكون أم متصلة بما قبلها من الاستفهام كأنه قال أتحاجوننا في الله أم تقولون أن الأنبياء كانوا على دينكم والتقدير بأي الحجتين تتعلقون في أمرنا بالتوحيد فنحن مُوحّدون أم باتباع دين الأنبياء فنحن لهم تبعون والثاني وهو القراءة بالياء على العدول من الحجاج الأول إلى حجاج آخر فكأنه قال بل تقولون أن الأنبياء من قبل أن تنزل التوراة والإنجيل كانوا هوداً أو نصارى وتكون أم هذه هي المنقطعة فيكون قد أعرض عن خطابهم استجهالاً لهم بما كان منهم كما يُقبل العالم على من بحضرته بعد ارتكاب مخاطبه جهالة شنيعة فيقول قد قامت عليه الحجة أم يقول بإبطال النظر المؤدي إلى المعرفة. اللغة: الأعلم والأعرف والأدرى بمعنى واحد والأظلم والأجور والأعتى نظائر وأفعل هذه تستعمل بمعنى الزيادة وإنما يصح معناه فيما يقع فيه التزايد كقولـهم أفضل وأطول وقد قال المحققون الصفات على ثلاثة أضرب صفة ذات وصفة تحصل بالفاعل وصفة تحصل بالمعنى فالأول: مثل كون الذات جوهراً أو سواداً وهذا لا يصح فيه التزايد والثاني: كالوجود ولا يصح فيه أيضاً التزايد والثالث: على ضربين أحدهما: يصح فيه التزايد وهو كل ما يوجبه معنى له مثل كالألوان والأكوان ونحوها والآخر: لا يصح فيه التزايد وهو كل ما يوجبه معنى وكتَم وأخفى وأسرّ واحد والغفلة والسهو والنسيان نظائر وهو ذهاب المعنى عن النفس والصحيح أن السهو ليس بمعنى وإنما هو فقد علوم مخصوصة فإن استمر به السهو مع صحة سمي جنوناً فإذا قارنه ضرب من الضعف سمي إغماء وإذا قارنه ضرب من الإسترخاء سمي نوماً فإن قارنه نوع من الطرب سمي سكراً وإذا حصل السهو بعد علم سمي نسياناً. الإعراب: { أم الله } الله مبتدأ وخبره محذوف تقديره أم الله أعلم وعنده ظرف مكان لكتم أو يكون صفة لشهادة تقديره شهادة كائنة عنده ومن الله صفة لشهادة أيضاً وهي صفة بعد صفة. المعنى: قد ذكرنا الفرق في المعنى بين قولـه أم تقولون على المخاطبة وقولـه أم يقولون بالياء على أن يكون المعنى لليهود والنصارى وهم غُيَّب وفي هذا احتجاج عليهم في قولـهم: { لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى } من وجوه أحدها: ما أخبر به نبينا صلى الله عليه وسلم مع ظهور المعجز الدال على صدقه والثاني: ما في التوراة والإنجيل من أن هولاء الأنبياء كانوا على الحنيفية والثالث: أن عندهم إنما يقع اسم اليهودية على من تمسك بشريعة التوراة واسم النصرانية على من تمسك بشريعة الإنجيل والكتابان أنزلا بعدهم كما قال سبحانه وما أُنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده والرابع: أنهم ادّعوا ذلك من غير برهان فوَّبخهم الله سبحانه بهذه الوجوه.

السابقالتالي
2