الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ }

اللغة: الحجاج والجدال والخصام نظائر والأعمال والأحداث والأفعال نظائر والإخلاص والإفراد والاختصاص نظائر وضد الخالص المشوب. الإعراب: { وهو ربّنا وربكم } المبتدأ وخبره في موضع نصب على الحال والعامل فيه تحاجّون وذو الحال الواو ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم مبتدءان وخبران والجملتان في موضع نصب على الحال بالعطف على هو ربنا وربكم ونحن له مخلصون كذلك. المعنى: أمر الله سبحانه نبيه عليه السلام في هذه الآية أن يقول لهؤلاء اليهود وغيرهم { أتحاجوننا في الله } ومعناه في دين الله أي أتخاصموننا وتجادلوننا فيه وهو سبحانه خالقنا والمنعم علينا وخالقكم والمنعم عليكم واختلف في محاجتهم كيف كانت فقيل كانت محاجتهم للنبي عليه السلام أنهم يزعمون أنهم أولى بالحق لتقدم النبوة فيهم والكتاب وقيل بل كانت محاجتهم أنهم قالوا نحن أحق بالإيمان من العرب الذين عبدوا الأوثان وقيل كانت محاجتهم أنهم قالوا يا محمد إن الأنبياء كانوا منا ولم يكن من العرب نبي فلو كنت نبياً لكنت منا وقال الحسن كانت محاجتهم أن قالوا نحن أولى بالله منكم وقالوا: { نحن أبناء الله وأحباؤه } وقالوا:لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى } [البقرة: 111] وكان غرضهم بذلك أن الذين يلتمس من جهتهم وأن النبوة أولى أن تكون فيهم فبيَّن سبحانه أنه أعلم بتدبير خلقه بقولـه: { وهو ربنا وربكم } أي خالقنا وخالقكم فهو أعلم حيث يجعل رسالته ومن الذي يقوم بأعبائها ويتحملها على وجه يكون أصلح للخلق وأولى بتدبيرهم. وقولـه: { ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم } أي لنا ديننا ولكم دينكم وقيل معناه ما علينا مضرة من أعمالكم وما لكم منفعة من أعمالنا فضرر أعمالكم عليكم ونفع أعمالنا لنا وقيل إنه إنكار لقولـهم إن العرب تعبد الأوثان وبيانٌ لأن لا حجة فيه إذ كلٌ مأخوذ بما كسبت يداه ولا يؤخذ أحد بجرم غيره وقولـه: { ونحن له مخلصون } أي موحّدون والمراد بذلك أن المخلص أولى بالحق من المشرك وقيل معناه الرد عليهم ما احتجوا به من عبادة العرب للأوثان فكأنه قال لا عيب علينا في ذلك إذا كنا موحدين كما لا عيب عليكم بفعل من عبد العجل من أسلافكم إذا اعتقدتم الإنكار عليهم في ذلك. [فصل في ذكر الإخلاص] روي عن حذيفة بن اليمان قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الإخلاص ما هو قال: " سألت جبريل عليه السلام عن ذلك قال سألت رب العزة عن ذلك فقال هو سِرٌّ من سِرّي استودعته قلب من أحببته من عبادي " وروي عن أبي إدريس الخولاني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنّ لكل حق حقيقة وما بلغ عبد حقيقة الإخلاص حتى لا يحب أن يحمد على شيء من عمل الله " وقال سعيد بن جبير الإخلاص أن يخلص العبد دينه وعمله لله ولا يشرك به في دينه ولا يرائي بعمله أحداً وقيل الإخلاص أن تستوي أعمال العبد في الظاهر والباطن وقيل هو ما استتر من الخلائق واستصفى من العلائق وقيل هو أن يكتم حسناته كما يكتم سيئاته.