الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ }

القراءة: قرأ ابن كثير أرنا بإسكان الراء كل القرآن ووافقه ابن عامر وأبو بكر عن عاصم في السجدة ربنا أرنا الذين وقرأ أبو عمرو بالاختلاس لكسرة الراء من غير إشباع كل القرآن والباقون بالكسر. الحجة: الاختيار كسرة الراء لأنها كسرة الهمزة قد حولت إلى الراء لأنه أصله أرإنا فنقلت الكسرة إلى الراء وسقطت الهمزة ولأن في إسكان الراء بعد سقوط الهمزة إجحافاً بالكلمة وإبطالاً للدلالة على الهمزة ومن سكنه فعلى وجه التشبيه بما يسكن في مثل كبد وفخذ ونحو قول الشاعر:
لو عَصرَ مِنْهُ البان وَالمِسْك انْعَصَرْ   
وقال الآخر:
قَالَتْ سُلِيمىَ اشْتَرْ لَنَا سَوِيْقَا   واشْتَرْ وَعَجّلْ خَادِماً لَبِيقاً
وأما الاختلاس فلطلب الخفة وبقاء الدلالة على حذف الهمزة. اللغة: الإسلام هو الانقياد لأمر الله تعالى بالخضوع والإقرار بجميع ما أوجب الله وهو والإيمان واحد عندنا وعند المعتزلة وفي الناس من قال بينهما فرق ويبطله قولـه سبحانهإن الدين عند الله الإسلام } [آل عمران: 19]من يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه } [آل عمران: 85] والمناسك ها هنا المتعبدات. قال الزجاج: كل متعبد منسك والنسك في اللغة العبادة ورجل ناسك عابد وقد نسك نسكاً والنسك الذبيحة يقال من فعل كذا فعليه نسك أي دم يهريقه والنسيكة الذبيحة والمنسك الموضع الذي تذبح فيه النسائك والمنسك أيضاً هو النسك نفسه قال سبحانه:ولكل أمة جعلنا منسكاً } [الحج: 34] وقال ابن دريد النسك أصله الذبائح كانت تذبح في الجاهلية والنسيكة شاة كانوا يذبحونها في المحرم في الإسلام ثم نسخ ذلك بالأضاحي قال الأعشى:
وَذَا النُّصُبَ الْمَنْصُوبَ لاَ تَنْسُكَنَّهُ   وَلاَ تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ واللهَ فاعبُدا
قال أبو علي الفسوي المناسك جمع منسك وهو المصدر جمع لاختلاف ضروبه. الإعراب: اللام في لك تعلق بمسلمين ومن ذريتنا من فيه تتعلق بمحذوف تقديره واجعل من ذريتنا والجار والمجرور مفعول اجعل وأمة مفعول ثان لاجعل وأرنا يحتمل وجهين أحدهما: أن يكون منقولاً من رأيت الذي هو بمعنى إدراك البصر نقلت بالهمزة فتعدت إلى مفعولين والتقدير حذف المضاف كأنه قال أرنا مواضع مناسكنا أي عرفناها لنقضي نسكنا فيها وذلك نحو مواقيت الإحرام والموقف بعرفات وموضع الطواف فهذا من رأيت الموضع وأريته إياه والآخر: أن يكون منقولاً من نحو قولـهم فلان يرى رأي الخوارج فيكون معناه علمنا مناسكنا ومثله قول الشاعر:
أَرِيْنِيْ جَوَاداً مَاتَ هَزْلاً لَعَلَّني   أَرى مَا تَرَيْنَ أوْ بَخِيْلاً مُخْلَّدَا
أراد دليني ولم يرد رؤية العين. المعنى: ثم ذكر تمام دعائهما ع فقال سبحانه: { ربنا واجعلنا مسلمين لك } أي قال ربنا واجعلنا مسلمين في مستقبل عمرنا كما جعلتنا مسلمين في ماضي عمرنا بأن توفقنا وتفعل بنا الألطاف التي تدعونا إلى الثبات على الإسلام ويجري ذلك مجرى أن يؤدب أحدنا ولده ويعرضه لذلك حتى صار أديباً فيجوز أن يقال جعل ولده أديباً وعكس ذلك إذا عرضه للبلاء والفساد جاز أن يقال جعله ظالماً فاسداً وقيل إن معنى مسلمين موحدين مخلصين لك لا نعبد إلا إياك ولا ندعو رباً سواك.

السابقالتالي
2